ومعلوم أنه ثَمَّ فرق ما بين التلاوة وبين المتلو، وما بين الدراسة والمدروس، وما بين القراءة والمقروء، فكما قال أئمة السلف: الصوت صوت القاري والكلام كلام الباري جل وعلا، فالجهة منفكة لا تلازم بين التلاوة والمتلو؛ لأن التلاوة فِعل العبد والمتلو كلام الله جل وعلا، ولهذا بدَّع السلف من قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ لأن كلمة (لفظي) تحتمل أن يكون المراد التلفظ الذي هو عمل العبد؛ فتكون الكلمة صحيحة، وأما الملفوظ فهو كلام الحق جل وعلا فليس بمخلوق.
لذا استعمل هذه اللفظة بعض أهل البدع والاعتزال والجهمية ليستروا قولهم بخلق القرآن؛ فاستعملوا قولًا محتملًا حتى لا يقعوا في المساءلة والعقاب.
وقد رأي الإمام أحمد وبعض الأئمة أنه لا يُقال: اللفظ بالقرآن مخلوق، ولا يقال: غير مخلوق؛ لأن الكلام هنا محتمل، فعندما يقول القائل: لفظي بالقرآن مخلوق، فهل يقصد به القرآن الذي هو كلام الله تعالى، أو يقصد فعل المخلوق؟
فإن قال: اللفظ بالقرآن غير مخلوق، فقد لا يقصد هنا كلام الله تعالى، وإنما يقصد كلامه هو، وهذا خطأ؛ لأن نطق الإنسان مخلوق، فالمسألة تكون
(١) انظر: «الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية» لابن القيم.