ويكفي للدلالة على موقفه من العلم موقفه من كتاب الله ﷿، فقد قال أبو نعيم البلخي: «كان رجل من أهل مرو صديقاً لجهم (وفي رواية: وكان خاصاً به)، ثم قطعه وجفاه (وفي رواية: ثم تركهـ وجعل يهتف بكفره)، فقيل له: لم جفوته؟ فقال: جاء منه ما لا يحتمل، قرأت عليه يوماً آية كذا وكذا نسيها الراوي -فقال: ما كان أظرف محمداً (وفي رواية زيادة: حين قالها)، فاحتملتها. ثم قرأ سورة طه فلما قال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥]، قال: أما والله لو وجدت سبيلا إلى حكها، لحككتها من المصحف، فاحتملتها. ثم قرأ القصص، فلما انتهى إلى ذكر موسى قال: ما هذا؟ ذكر قصة في موضع فلم يتمها، ثم ذكر ههنا فلم يتمها، ثم رمى بالمصحف من حجره برجليه، فوثب عليه».
وفي رواية:«جمع يديه ورجليه ثم دفع المصحف، ثم قال: أي شيء هذا؟ ذكره هاهنا فلم يتم ذكره، وذكره ثم فلم يتم ذكره».
وفي رواية ثالثة:«دفع المصحف بيديه جميعا من حجره، فرمي به أبعد ما يقدر عليه، ودفعه برجله»(١).
ولأجل هذه الأفعال القبيحة وغيرها، نسبه أهل العلم إلى الكفر والزندقة.
ومع هذا الجهل المركب، كتب جهم كتابا في بيان عقيدته والرد على مقاتل بن سليمان، فذكر ابن عساكر أن مقاتل بن سليمان كان يقص في جامع مرو،
(١) خلق أفعال العباد للبخاري (ص ٢٠)، والرواية الثانية في الرد على الجهمية لابن بطة (٢/ ٩٢). قال الألباني في مختصر العلو (ص ١٩٢) وسنده صحيح.