وتهدداها، حتى أخرجت الكتاب من ضفائرها، فأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فدعا حاطب بن أبي بلتعة، فقال له:"ما هذا"؟ فقال: يا رسول الله، إني لم أكفر بعد إيماني، ولم أفعل هذا رغبة عن الإسلام، وإنما أردت أن تكون لي عند القوم يد، أحمي بها أهلي، ومالي، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "صدقكم، خلوا سبيله" واستأذن عمر، في قتله، فقال: دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال:"وما يدريك، أن اللّه اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم" وأنزل الله في ذلك، صدر سورة الممتحنة، فقال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} الآيات.
فدخل حاطب في المخاطبة، باسم الإيمان، ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه، وله خصوص السبب، الدال على إرادته، معه أن في الآية الكريمة، ما يشعر: أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل ذلك، قد ضل سواء السبيل، لكن قوله:"صدقكم، خلوا سبيله" ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، وإذا كان مؤمنًا بالله ورسوله، غير شاك، ولا مرتاب؛ وإنما فعل ذلك، لغرض دنيوي، ولو كفر، لما قال: خلوا سبيله. ولا يقال، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما يدريك لعل اللّه اطلع على أهل بدر، فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم" هو المانع من تكفيره، لأنا نقول: لو كفر لما بقي من حسناته، ما يمنع من لحاق الكفر، وأحكامه؛ فإن الكفر: يهدم ما قبله، لقوله تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}[المائدة: ٥] وقوله: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام: ٨٨] والكفر، محبط للحسنات والإيمان، بالإجماع؛ فلا يظن هذا." (١).
قال الشيخ سليمان بن سمحان: "من الموالاة ما يوجب الردة ومنها ما دون ذلك" (٢).
(١) أصول وضوابط في التكفير. (٢) الدرر السنية ٨/ ٤٦٩.