الحمد لله الذي أنزل الأحكام لإمضاء علمه القديم، وأجزل الإنعام لشاكر فضله العميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له البر الرحيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بالدين القويم المنعوت بالخلق العظيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أفضل الصلاة والتسليم وبعد:
فقد أردت أن أجمع لابني أبي زرعة (١) مختصرا في أحاديث الأحكام، يكون متصل الأسانيد بالأئمة الأعلام، فإنه يقبح بطالب الحديث بل بطالب العلم أن لا يحفظ بإسناده عدة من الأخبار، يستغني بها عن حمل الأسفار في الأسفار، وعن مراجعة الأصول عند المذاكرة والاستحضار، ويتخلص به من الحرج في الجزم بنقل ما ليست له به رواية، فإنه غير سائغ بإجماع أهل الدراية (٢).
ولما رأيت صعوبة حفظ الأسانيد في هذه الأعصار لطولها، وكان قصر أسانيد المتقدمين وسيلة لتسهيلها رأيت أن أجمع أحاديث عديدة في تراجم محصورة،
(١) وهو ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين، أبو زرعة العراقي، المتوفى سنة (٨٢٦ هـ). انظر ترجمته في «الضوء اللامع» (١/ ٣٣٦)، و «طرح التثريب في شرح التقريب» (١/ ١٦). (٢) قال المصنف في «طرح التثريب» (١/ ١٧): حكى هذا الإجماع الذي ذكرته أبو بكر محمد ابن خير بن عمر الأموي الإشبيلي في «برنامجه المشهور»، ثم قال: وقد اتفق العلماء على أنه لا يصح لمسلم أن يقول: قال رسول الله ﷺ كذا حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ولو على أقل وجوه الروايات، لقول رسول الله ﷺ: ﴿من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار﴾، وفي بعض الروايات «من كذب علي» مطلقا دون تقييد اهـ.