في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فجته (١) الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، فقال رسول الله ﷺ: «فقلت (٢): ما أنا بقاري، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلت (٣)، فقال: ﴿اقرأ﴾، فقلت: ما أنا بقاري، فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ [فأخذني](٤) فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * … حتى بلغ ما لم يعلم﴾ [العلق: ٥]»، قال: فرجع بها ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة، فقال:«زملوني زملوني»، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال:«يا خديجة! مالي؟» فأخبرها الخبر، قال: وقد خشيت علي، فقالت له: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن قصي وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي؛ فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال
(١) في (ظ): «فجأه» هكذا رسمت، وقال الولي العراقي: «فجئه» بكسر الجيم وبعدها همزة مفتوحة، وفيه لغة ثانية «فجأه بفتح الجيم والهمزة، لغتان مشهورتان. «طرح التثريب» (٤/ ١٨٦). (٢) لفظ: «فقلت» ليس في «المسند» (٢٥٩٥٩). (٣) في «مسند أحمد»: ثم أرسلني. (٤) ما بين حاصرتين من «المسند».