الله تعالى كافتهم لتنفر ﴿مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ (١).
وإذا كان هذا الأمر [١] لازمًا لابُدّ منه، وكان أولى من قلَّده العاميّ الجاهل، والمبتدئ [٢] المتَعبّد، والطالُب المسترشد والمتفقّه في دين الله، وأَحَقُّ بذلك، فُقَهَاءَ أصحاب رسول الله ﷺ الذين [٣] أخذوا عنه العلم، وعلِموا أسباب نزول الأوامر والنواهى، ووظائف الشرائع، ومخارج كلامه ﵇، وشاهدوا قرائن ذلك [٤]، وشافهوا في أكثرها النبي ﵇، واستفسَروه عنها، مع ما كانوا عليه من سَعة العلم ومعرفة معاني الكلام، وتنوير القلوب، وانشراح الصدور؛ فكانوا أعلم الأئمة بلا مِرية، وأولاهم بالتقليد، لكنهم لم يتكلموا من النوازل إلا في اليسير مما وقع، ولا تفرعت عنهم المسائل، ولا تكلَّموا من الشَّرع إلا في قَواعد ووقائع، وكان أكثرُ اشتغالهم بالعمَل بما عَلموا، والذِّب عن حَوزة الدّين، وتوطيد [٥] شريعة المسلمين، ثم بَينهمَ من الاختلاف في بعض ما تكلموا فيه ما يُبقِى المقلّدَ في حَيرة، ويحوجِه إلى نَظر وتوقف، وإنما جاء التفريعُ والتَّنتيج وبسط الكلام فيما يُتَوقَّع وقوُعه بعدَهم؛ فجاء التابعون فنظروا في اختلافهم، وبنوا على أَصولهم؛ ثم جاء من بعدهم من العلماء من أتباع التابعين، والوقائعُ قد كثرت، والنوازل قد حدثت، والفتاوى في ذلك قد تشعَّبت، فجمَعوا أقاويل الجميع، وحفظوا فقهَهم، وبحثوا عن اختلافِهم واتّفاقهم، وحَذِروا انتشار الأمر [٦]، وخروجَ الخِلاف عن الضّبط،
[١] الأمر: ك ت خ، أمرًا: ا ب ط [٢] والمبتدى: ا ب ت خ ك ك، أو المبتدى: ط [٣] وسلم الذين: ط ك، وسلم بالاقتداء الذين: ا ب ت خ [٤] قرائن ذلك: ك ت خ ا: ط [٥] وتوطيد: ك ت خ، وتوطية ا ب ط [٦] الأمر: ب ط ك ت خ، الأمم: ا.