وَسَلَّمَ، فَأَنْكَرَ امْرُؤُ الْقَيْسِ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ فنزلت الْآيَةُ، فَكَفَّ عَنِ الْيَمِينِ وَحَكَّمَ عَبْدَانَ فِي أَرْضِهِ وَلَمْ يُخَاصِمْهُ. الثَّانِيَةُ- الْخِطَابُ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَتَضَمَّنُ جَمِيعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَعْنَى: لَا يَأْكُلُ بَعْضكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. فَيَدْخُلُ فِي هَذَا: الْقِمَارُ وَالْخِدَاعُ وَالْغُصُوبُ وَجَحْدُ الْحُقُوقِ، وَمَا لَا تَطِيبُ بِهِ نَفْسُ مَالِكِهِ، أَوْ حَرَّمَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَإِنْ طَابَتْ به نفس مالكه، كهر الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَأَثْمَانِ الْخُمُورِ وَالْخَنَازِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْغَبْنُ فِي الْبَيْعِ مَعَ مَعْرِفَةِ الْبَائِعِ بِحَقِيقَةِ مَا بَاعَ لِأَنَّ الْغَبْنَ كَأَنَّهُ هِبَةٌ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ" النِّسَاءِ «١» ". وَأُضِيفَتِ الْأَمْوَالُ إِلَى ضَمِيرِ المنتهى لَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَنْهِيًّا وَمَنْهِيًّا عنه، كما قال:" تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ «٢» ". وَقَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ" وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ «٣» " أَيْ فِي الْمَلَاهِي وَالْقِيَانُ وَالشُّرْبُ وَالْبَطَالَةُ، فَيَجِيءُ عَلَى هَذَا إِضَافَةُ الْمَالِ إِلَى ضَمِيرِ الْمَالِكِينَ. الثَّالِثَةُ- مَنْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ لَا عَلَى وَجْهِ إِذْنِ الشَّرْعِ فَقَدْ أكله بالباطل، ومن الأكل بالباطل أن يقتضى الْقَاضِي لَكَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ مُبْطِلٌ، فَالْحَرَامُ لَا يَصِيرُ حَلَالًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَقْضِي بِالظَّاهِرِ. وَهَذَا إِجْمَاعٌ فِي الْأَمْوَالِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَضَاؤُهُ يَنْفُذُ فِي الْفُرُوجِ بَاطِنًا، وَإِذَا كَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْبَاطِنِ فِي الْأَمْوَالِ فَهُوَ فِي الْفُرُوجِ أَوْلَى. وَرَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذُهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ- فِي رِوَايَةٍ- فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ يَذَرْهَا". وَعَلَى الْقَوْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ. وَهُوَ نَصٌّ فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ عَلَى الظَّاهِرِ لَا يُغَيِّرُ حُكْمُ الْبَاطِنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفُرُوجِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ عَلَى رَجُلٍ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمَا لِعَدَالَتِهِمَا عِنْدَهُ فَإِنَّ فَرْجَهَا يَحِلُّ لِمُتَزَوِّجِهَا- مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ بَاطِلٌ- بَعْدَ الْعِدَّةِ. وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ جَازَ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ فِي الظَّاهِرِ كان الشاهد وغيره
(١). راجع ج ٥ ص ١٥٢. [ ..... ](٢). راجع ص ١٩ من هذا الجزء.(٣). راجع ج ٥ ص ١٥٠.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute