بِشَرَفِ الْمَنْزِلَةِ، فَمَيَّزَهُمْ مِنْ صِفَةِ الدَّبِيبِ بِالذِّكْرِ وَإِنْ دَخَلُوا فِيهَا، كَقَوْلِهِ:" فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ «١» ". وَقِيلَ: لِخُرُوجِهِمْ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدِبُّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْأَجْنِحَةِ، فَلَمْ يَدْخُلُوا فِي الْجُمْلَةِ فَلِذَلِكَ ذُكِرُوا. وَقِيلَ: أَرَادَ" وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ" مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ،" وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ" وَتَسْجُدُ مَلَائِكَةُ الْأَرْضِ. (وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِمْ. وَهَذَا رَدٌّ عَلَى قُرَيْشٍ حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ. وَمَعْنَى (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) أَيْ عِقَابَ رَبِّهِمْ وَعَذَابَهُ، لِأَنَّ الْعَذَابَ الْمُهْلِكَ إِنَّمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى يَخَافُونَ قُدْرَةَ رَبِّهِمُ الَّتِي هِيَ فَوْقَ قُدْرَتِهِمْ، فَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ. وَقِيلَ: مَعْنَى" يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ" يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، يَخَافُونَ رَبَّهُمْ وَهِيَ مِنْ فَوْقِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَمَعَ ذَلِكَ يَخَافُونَ، فَلَأَنْ يَخَافَ مَنْ دُونَهُمْ أَوْلَى، دَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) يعنى الملائكة.
[[سورة النحل (١٦): آية ٥١]]
وَقالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) قِيلَ: الْمَعْنَى لَا تَتَّخِذُوا اثْنَيْنِ إِلَهَيْنِ. وَقِيلَ: جَاءَ قَوْلُهُ: «اثْنَيْنِ» تَوْكِيدًا. وَلَمَّا كَانَ الْإِلَهُ الْحَقُّ لَا يَتَعَدَّدُ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَعَدَّدُ فَلَيْسَ بِإِلَهٍ، اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الِاثْنَيْنِ، لِأَنَّهُ قَصَدَ نفي التعدد. (إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) يَعْنِي ذَاتَهُ الْمُقَدَّسَةَ. وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ وَالشَّرْعِيُّ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ بَيَانُهُ «٢» وَذَكَرْنَاهُ فِي اسْمِهِ الْوَاحِدِ فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) أَيْ خَافُونِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي البقرة «٣».
[[سورة النحل (١٦): آية ٥٢]]
وَلَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (٥٢)
(١). راجع ج ١٧ ص ١٨٥.(٢). راجع ج ٢ ص ١٩٠ وما بعدها.(٣). راجع ج ١ ص ٣٣٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute