[[سورة يونس (١٠): آية ١٦]]
قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) أَيْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ فَتَلَوْتُ عَلَيْكُمُ الْقُرْآنَ، وَلَا أَعْلَمَكُمُ اللَّهُ وَلَا أَخْبَرَكُمْ بِهِ، يُقَالُ: دَرَيْتُ الشَّيْءَ وَأَدْرَانِي اللَّهُ بِهِ، وَدَرَيْتُهُ وَدَرَيْتُ بِهِ. وَفِي الدارية مَعْنَى الْخَتْلِ، وَمِنْهُ دَرَيْتُ الرَّجُلَ أَيْ خَتَلْتُهُ، وَلِهَذَا لَا يُطْلَقُ الدَّارِي فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَأَيْضًا عُدِمَ فِيهِ التَّوْقِيفُ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ:" وَلَأَدْرَاكُمْ بِهِ" بِغَيْرِ أَلِفٍ بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَمْزَةِ، وَالْمَعْنَى: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْلَمَكُمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَيْكُمْ، فَهِيَ لَامُ التَّأْكِيدِ دَخَلَتْ عَلَى أَلِفِ أَفْعَلَ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ" وَلَا أَدْرَاتُكُمْ بِهِ" بِتَحْوِيلِ الْيَاءِ ألفا «١»، على لغة بني عقيل، فال الشَّاعِرُ:
لَعَمْرُكَ مَا أَخْشَى التَّصَعْلُكَ مَا بَقَى ... عَلَى الْأَرْضِ قَيْسِيٌّ يَسُوقُ الْأَبَاعِرَا
وَقَالَ آخَرُ:
أَلَا آذَنَتْ أَهْلَ الْيَمَامَةِ طَيِّئٌ ... بِحَرْبٍ كَنَاصَاتِ الْأَغَرِّ الْمُشَهَّرِ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ يَقُولُ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ: هَلْ لِقِرَاءَةِ الْحَسَنِ" وَلَا أَدْرَاتُكُمْ بِهِ" وَجْهٌ؟ فَقَالَ لا. وهل أَبُو عُبَيْدٍ: لَا وَجْهَ لِقِرَاءَةِ الْحَسَنِ" وَلَا أَدْرَاتُكُمْ بِهِ" إِلَّا الْغَلَطُ. قَالَ النَّحَّاسُ: مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ: لَا وَجْهَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَلَى الْغَلَطِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: دَرَيْتُ أَيْ عَلِمْتُ، وَأَدْرَيْتُ غَيْرِي، وَيُقَالُ: دَرَأْتُ أَيْ دَفَعْتُ، فَيَقَعُ الْغَلَطُ بَيْنَ دَرَيْتُ وَدَرَأْتُ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُرِيدُ الْحَسَنُ فِيمَا أَحْسَبُ" وَلَا أَدْرَيْتُكُمْ بِهِ" فَأَبْدَلَ مِنَ الْيَاءِ أَلِفًا عَلَى لُغَةِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ، يُبْدِلُونَ مِنَ الْيَاءِ أَلِفًا إِذَا انْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا، مِثْلَ:" إِنْ هذانِ لَساحِرانِ" «٢» [طه: ٦٣]. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ قَرَأَ" أَدْرَأْتُكُمْ" فَوَجْهُهُ أَنَّ أَصْلَ الْهَمْزَةِ يَاءٌ، فَأَصْلُهُ" أَدْرَيْتُكُمْ" فَقُلِبَتِ الْيَاءُ أَلِفًا وَإِنْ كَانَتْ سَاكِنَةً، كَمَا قَالَ: يَايِسُ في يئس وطائي في طيئ، ثم قلبت الالف
(١). أي أن الأصل: (أدريتكم).(٢). راجع ج ١١ ص ٢١٥ فما بعد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute