نَعْلَمُ أَنَّ ابْنَكَ يُسْتَرَقُّ وَيَصِيرُ أَمْرُنَا إِلَى هَذَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: نَحْفَظُ أَخَانَا فِيمَا نُطِيقُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنُونَ أَنَّهُ سَرَقَ لَيْلًا وَهُمْ نِيَامٌ، وَالْغَيْبُ هُوَ اللَّيْلُ بِلُغَةِ حِمْيَرَ، وَعَنْهُ: مَا كُنَّا نَعْلَمُ مَا يَصْنَعُ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ وَذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ. وَقِيلَ: مَا دَامَ بمرأى منا لم يجز خَلَلٌ، فَلَمَّا غَابَ عَنَّا خَفِيَتْ عَنَّا حَالَاتُهُ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: قَدْ أُخِذَتِ السَّرِقَةُ مِنْ رَحْلِهِ، وَنَحْنُ أَخْرَجْنَاهَا وَنَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَلَا عِلْمَ لَنَا بِالْغَيْبِ، فَلَعَلَّهُمْ سَرَّقُوهُ وَلَمْ يَسْرِقْ. الثَّانِيَةُ- تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ بِأَيِ وَجْهٍ حَصَلَ الْعِلْمُ بِهَا، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مُرْتَبِطَةٌ بِالْعِلْمِ عَقْلًا وَشَرْعًا، فَلَا تُسْمَعُ إِلَّا مِمَّنْ عَلِمَ، وَلَا تُقْبَلُ إِلَّا مِنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّهَادَاتِ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: شَهَادَةُ الْأَعْمَى جَائِزَةٌ، وَشَهَادَةُ الْمُسْتَمِعِ جَائِزَةٌ، وَشَهَادَةُ الْأَخْرَسِ إِذَا فُهِمَتْ إِشَارَتُهُ جَائِزَةٌ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ- إِذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ خَطُّ فُلَانٍ- صَحِيحَةٌ فَكُلُّ مَنْ حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِشَيْءٍ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" «١» [الزخرف: ٨٦] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ خَيْرُ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا" وَقَدْ مَضَى فِي" الْبَقَرَةِ" «٢». الثَّالِثَةُ- اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي شَهَادَةِ الْمُرُورِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: مَرَرْتُ بِفُلَانٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا فَإِنِ اسْتَوْعَبَ الْقَوْلَ شَهِدَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ لَا يَشْهَدُ حَتَّى يُشْهِدَاهُ. وَالصَّحِيحُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الِاسْتِيعَابِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةُ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الْحَقُّ، لِأَنَّهُ [قَدْ] «٣» حَصَلَ الْمَطْلُوبُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْعِلْمِ، فَكَانَ خَيْرَ الشُّهَدَاءِ إِذَا أَعْلَمَ الْمَشْهُودَ لَهُ، وَشَرَّ الشُّهَدَاءِ إِذَا كَتَمَهَا [وَاللَّهُ أَعْلَمُ] «٤». الرَّابِعَةُ- إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ شَهَادَةً لَا يَحْتَمِلُهَا عُمْرَهُ رُدَّتْ، لِأَنَّهُ ادَّعَى بَاطِلًا فَأَكْذَبَهُ الْعِيَانُ ظاهر.
[[سورة يوسف (١٢): آية ٨٢]]
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢)
(١). راجع ج ١٦ ص ١٢٢.(٢). راجع ج ٣ ص ٣٩٩.(٣). من ع.(٤). من ك وى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute