فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ خَيْرُ الْمُضِيفِينَ، لِأَنَّهُ أحسن ضيافتهم، قاله مُجَاهِدٌ. الثَّانِي- وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، أَيْ خَيْرُ مَنْ نَزَلْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَأْمُونِينَ، وَهُوَ عَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ مَأْخُوذٌ مِنَ النُّزُلِ وَهُوَ الطَّعَامُ، وَعَلَى الثَّانِي مِنَ الْمَنْزِلِ وَهُوَ الدَّارُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي) شأي فَلَا أَبِيعُكُمْ شَيْئًا فِيمَا بَعْدُ، لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّاهُمْ كَيْلَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ. (وَلا تَقْرَبُونِ) أَيْ لَا أُنْزِلُكُمْ عِنْدِي مَنْزِلَةَ الْقَرِيبِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُمْ يَبْعُدُونَ «١» مِنْهُ وَلَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ عَلَى الْعَوْدِ حَثَّهُمْ. قَالَ السُّدِّيُّ: وَطَلَبَ مِنْهُمْ رَهِينَةً حَتَّى يَرْجِعُوا، فَارْتَهَنَ شَمْعُونَ عِنْدَهُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّمَا اخْتَارَ شَمْعُونَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْجُبِّ أَجْمَلَهُمْ قَوْلًا، وَأَحْسَنَهُمْ رَأْيًا. وَ" تَقْرَبُونِ" فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ بِالنَّهْيِ، فَلِذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْهُ [النُّونُ وَحُذِفَتِ «٢»] الْيَاءُ، لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ، وَلَوْ كَانَ خَبَرًا لَكَانَ" تَقْرَبُونِ" بِفَتْحِ النُّونِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) أَيْ سَنَطْلُبُهُ مِنْهُ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُرْسِلَهُ مَعَنَا. (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) أَيْ لَضَامِنُونَ الْمَجِيءَ بِهِ، وَمُحْتَالُونَ فِي ذَلِكَ. مَسْأَلَةٌ- إِنْ قِيلَ: كَيْفَ اسْتَجَازَ يُوسُفُ إِدْخَالَ الْحُزْنِ عَلَى أَبِيهِ بِطَلَبِ أَخِيهِ؟ قِيلَ لَهُ: عَنْ هَذَا أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ: أَحَدُهَا- يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَهُ بِذَلِكَ ابْتِلَاءً لِيَعْقُوبَ، لِيَعْظُمَ لَهُ الثَّوَابُ، فَاتَّبَعَ أَمْرَهُ فِيهِ. الثَّانِي- يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يُنَبِّهَ يَعْقُوبَ عَلَى حَالِ يُوسُفَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ. الثَّالِثُ- لِتَتَضَاعَفَ الْمَسَرَّةُ لِيَعْقُوبَ بِرُجُوعِ وَلَدَيْهِ عَلَيْهِ. الرَّابِعُ- لِيُقَدِّمَ سُرُورَ أَخِيهِ بِالِاجْتِمَاعِ مَعَهُ قَبْلَ إِخْوَتِهِ، لِمَيْلٍ كَانَ مِنْهُ إِلَيْهِ، والأول أظهر. والله أعلم
[[سورة يوسف (١٢): آية ٦٢]]
وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَالَ لِفِتْيَتِهِ) هَذِهِ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ، وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي حَاتِمٍ وَالنَّحَّاسِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَرَأَ سَائِرُ الْكُوفِيِّينَ" لِفِتْيانِهِ" وهو اختيار أبي عبيد، وقال:
(١). في الأصول: يبعدوا، يعودوا. ولم يظهر وجه لحذف النون.(٢). من ع وك وو.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute