فَبَارِئْنِي، هَذَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَرَوَى عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ مَالِكٍ: الْمُبَارِئَةُ هِيَ الَّتِي لَا تَأْخُذُ شَيْئًا وَلَا تُعْطِي، وَالْمُخْتَلِعَةُ هِيَ الَّتِي تُعْطِي مَا أَعْطَاهَا وَتَزِيدُ مِنْ مَالِهَا، وَالْمُفْتَدِيَةُ هِيَ الَّتِي تَفْتَدِي بِبَعْضِ مَا أَعْطَاهَا وَتُمْسِكُ بَعْضَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ يَكُونُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، فَمَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا عِدَّةَ فِيهِ، وَالْمُصَالِحَةُ مِثْلَ الْمُبَارِئَةِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو محمد وغير: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْأَرْبَعَةُ تَعُودُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهَا مِنْ جِهَةِ الْإِيقَاعِ، وَهِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ سَمَّاهَا أَوْ لَمْ يُسَمِّهَا، لَا رَجْعَةَ لَهُ فِي الْعِدَّةِ، وَلَهُ نِكَاحُهَا فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا بِرِضَاهَا بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ وَقَبْلَ زَوْجٍ وَبَعْدَهُ، خِلَافًا لِأَبِي ثَوْرٍ، لِأَنَّهَا إِنَّمَا أَعْطَتْهُ الْعِوَضَ لِتَمْلِكَ نَفْسَهَا، وَلَوْ كَانَ طَلَاقُ الْخُلْعِ رجعيا لم تملك نفسا، فَكَانَ يَجْتَمِعُ لِلزَّوْجِ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ عَنْهُ. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- وَهَذَا مَعَ إِطْلَاقِ الْعَقْدِ نَافِذٌ، فَلَوْ بَذَلَتْ لَهُ الْعِوَضَ وَشَرَطَ الرَّجْعَةَ، فَفِيهَا رِوَايَتَانِ رَوَاهُمَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: إِحْدَاهُمَا ثُبُوتُهَا، وَبِهَا قَالَ سَحْنُونُ. وَالْأُخْرَى نَفْيُهَا. قَالَ سَحْنُونُ: وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُمَا قَدِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَسْقُطُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا «١» جَائِزٌ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْهُ فَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ: أَنِّي لَا أَطَأُهَا. الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى، (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها) لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَحْكَامَ النِّكَاحِ وَالْفِرَاقِ قَالَ:" تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ" الَّتِي أُمِرْتُ بِامْتِثَالِهَا، كَمَا بَيَّنَ تَحْرِيمَاتِ الصَّوْمِ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ:" تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها «٢» " فَقَسَّمَ الْحُدُودَ قِسْمَيْنِ، مِنْهَا حُدُودُ الْأَمْرِ بِالِامْتِثَالِ، وَحُدُودُ النَّهْيِ بِالِاجْتِنَابِ، ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى فَقَالَ:" وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ".
[[سورة البقرة (٢): آية ٢٣٠]]
فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠)
(١). في ز: وذلك.(٢). راجع ج ٢ ص ٣٣٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute