فَيُقَالُ لَهُمْ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّوْمِ:" أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ" يَعْنِي جَمِيعَ الشَّهْرِ، وَقَالَ:" لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ «١» " يَعْنِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَأَيْضًا فَإِذَا أُضِيفَتِ الْأَيَّامُ إِلَى عَارِضٍ لَمْ يُرَدْ بِهِ تَحْدِيدُ الْعَدَدِ، بَلْ يُقَالُ: أَيَّامُ مَشْيِكَ وَسَفَرِكَ وَإِقَامَتِكَ، وَإِنْ كَانَ ثَلَاثِينَ وَعِشْرِينَ وَمَا شِئْتَ مِنَ الْعَدَدِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا كَانَ مُعْتَادًا لَهَا، وَالْعَادَةُ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ، فَخَرَجَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى" قُلْ أَتَّخَذْتُمْ" تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي" اتَّخَذَ «٢» " فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ" عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً" أَيْ أَسْلَفْتُمْ عَمَلًا صَالِحًا فَآمَنْتُمْ وَأَطَعْتُمْ تستوجبون بِذَلِكَ الْخُرُوجَ مِنَ النَّارِ أَوْ هَلْ عَرَفْتُمْ ذلك بويح الَّذِي عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ" فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" توبيخ وتقريع.
[سورة البقرة (٢): الآيات ٨١ الى ٨٢]
بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨٢)
فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تعالى:" بَلى " أي الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمْ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَيْسَ" بَلَى" وَ" نَعَمْ" اسْمَيْنِ. وَإِنَّمَا هُمَا حَرْفَانِ مِثْلُ" بل" وغيره، وهي رد لقولهم: إن تَمَسَّنَا النَّارُ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: أَصْلُهَا بَلِ الَّتِي لِلْإِضْرَابِ عَنِ الْأَوَّلِ، زِيدَتْ عَلَيْهَا الْيَاءُ لِيَحْسُنَ الْوَقْفُ، وَضُمِّنَتِ الْيَاءُ مَعْنَى الْإِيجَابِ وَالْإِنْعَامِ. فَ" بَلْ" تَدُلُّ عَلَى رَدِّ الْجَحْدِ، وَالْيَاءُ تَدُلُّ عَلَى الْإِيجَابِ لِمَا بَعْدُ. قَالُوا: وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: أَلَمْ تَأْخُذْ دِينَارًا؟ فَقُلْتَ: نَعَمْ، لَكَانَ الْمَعْنَى لَا، لَمْ آخُذْ، لِأَنَّكَ حَقَّقْتَ النَّفْيَ وَمَا بَعْدَهُ. فَإِذَا قُلْتَ: بَلَى، صَارَ الْمَعْنَى قَدْ أَخَذْتُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لصاحبه: ما لك علي شي، فَقَالَ الْآخَرُ: نَعَمْ، كَانَ ذَلِكَ تَصْدِيقًا، لِأَنَّ لا شي
(١). راجع ج ٤ ص ٥١.(٢). راجع ج ١ ص ٣٩٦ طبعه ثانية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute