الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا يَكُونُ فِيهَا إِيلَاءٌ، إِذْ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا طلاق، والله أعلم.
[[سورة البقرة (٢): آية ٢٢٨]]
وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْمُطَلَّقاتُ) لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِيلَاءَ وَأَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ يَقَعُ فِيهِ بَيَّنَ تَعَالَى حُكْمَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ التَّطْلِيقِ. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:" وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ" الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَنُسِخَ ذَلِكَ وَقَالَ:" الطَّلاقُ مَرَّتانِ" الْآيَةَ. وَالْمُطَلَّقَاتُ لَفْظُ عُمُومٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ فِي الْمَدْخُولِ بِهِنَّ، وَخَرَجَتِ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِآيَةِ" الْأَحْزَابِ":" فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها «١» " عَلَى مَا يَأْتِي. وَكَذَلِكَ الْحَامِلُ بِقَوْلِهِ:" وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ «٢» ". وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْأَقْرَاءِ الِاسْتِبْرَاءُ، بِخِلَافِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ الَّتِي هِيَ عِبَادَةٌ. وَجَعَلَ اللَّهُ عِدَّةَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ وَالْكَبِيرَةِ الَّتِي قَدْ يَئِسَتِ الشُّهُورَ عَلَى مَا يَأْتِي. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْعُمُومَ فِي الْمُطَلَّقَاتِ يَتَنَاوَلُ هَؤُلَاءِ ثُمَّ نُسِخْنَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّمَا الْآيَةُ فِيمَنْ تَحِيضُ خَاصَّةً، وَهُوَ عُرْفُ النِّسَاءِ وَعَلَيْهِ مُعْظَمُهُنَّ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَتَرَبَّصْنَ) التَّرَبُّصُ الِانْتِظَارُ، عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. وَهَذَا خَبَرٌ وَالْمُرَادُ الْأَمْرُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ «٣» " وَجَمْعُ رَجُلٍ عَلَيْهِ ثِيَابُهُ، وَحَسْبُكَ دِرْهَمٌ، أَيِ اكْتَفِ بِدِرْهَمٍ، هَذَا قَوْلُ أَهْلِ اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنِهِمْ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ، فَإِنْ وجدت مطلقة
(١). راجع ج ١٤ ص ٢٠٢.(٢). راجع ج ١٨ ص ١٦٢.(٣). راجع ص ١٦٠ من هذا الجزء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute