أَيْ إِذَا دَخَلُوهَا يُقَالُ لَهُمْ تَفَرَّقُوا «١» إِلَى مَنَازِلِكُمْ، فَهُمْ أَعْرَفُ بِمَنَازِلِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ إِذَا انْصَرَفُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ. قَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِدٌ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ. وَفِي الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ] فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بعض مظالم [كانت بينهم في الدنيا «٢» [حتى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ] مِنْهُ «٣» [بِمَنْزِلِهِ فِي الدُّنْيَا (. وَقِيلَ:" عَرَّفَها لَهُمْ" أَيْ بَيَّنَهَا لَهُمْ حَتَّى عَرَفُوهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ. قَالَ الْحَسَنُ: وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ الْجَنَّةَ فِي الدُّنْيَا، فَلَمَّا دَخَلُوهَا عَرَفُوهَا بِصِفَتِهَا. وَقِيلَ: فِيهِ حَذْفٌ، أَيْ عَرَّفَ طُرُقَهَا وَمَسَاكِنَهَا وَبُيُوتَهَا لَهُمْ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ. وَقِيلَ: هَذَا التَّعْرِيفُ بِدَلِيلٍ، وَهُوَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَتْبَعُهُ الْعَبْدُ حَتَّى يَأْتِيَ الْعَبْدُ مَنْزِلَهُ، وَيُعَرِّفَهُ الْمَلَكُ جَمِيعَ مَا جُعِلَ لَهُ فِي الْجَنَّةِ. وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَرُدُّهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ" عَرَّفَها لَهُمْ" أَيْ طَيَّبَهَا لَهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَلَاذِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَرْفِ، وَهُوَ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ. وَطَعَامٌ مُعَرَّفٌ أَيْ مُطَيَّبٌ، تَقُولُ الْعَرَبُ: عَرَّفْتَ الْقِدْرَ إِذَا طَيَّبْتَهَا بِالْمِلْحِ وَالْأَبْزَارِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ يُخَاطِبُ رَجُلًا ويمدحه:
عرفت كاتب عرفته اللطائم «٤»
يقول: كَمَا عُرِّفَ الْإِتْبُ، وَهُوَ الْبَقِيرُ وَالْبَقِيرَةُ، وَهُوَ قَمِيصٌ لَا كُمَّيْنِ لَهُ تَلْبَسُهُ النِّسَاءُ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ وَضْعِ الطَّعَامُ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ مِنْ كَثْرَتِهِ، يُقَالُ: حَرِيرٌ مُعَرَّفٌ، أَيْ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَهُوَ مِنَ الْعُرْفِ الْمُتَتَابِعِ كَعُرْفِ الْفَرَسِ. وَقِيلَ:" عَرَّفَها لَهُمْ" أَيْ وَفَّقَهُمْ لِلطَّاعَةِ حَتَّى اسْتَوْجَبُوا الْجَنَّةَ. وَقِيلَ: عَرَّفَ أَهْلَ السَّمَاءِ أَنَّهَا لَهُمْ إِظْهَارًا لِكَرَامَتِهِمْ فِيهَا. وَقِيلَ: عَرَّفَ المطيعين أنها لهم.
[[سورة محمد (٤٧): آية ٧]]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧)
(١). في أز ل: تقربوا.(٢). زيادة عن صحيح البخاري.(٣). زيادة عن صحيح البخاري. [ ..... ](٤). اللطائم (جمع لطيمة): قطعة مسك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute