الْحَكَمَيْنِ وَكِيلَانِ لِلزَّوْجَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا مُنْتَهَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابُهُ يَفْرَحُونَ بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلَا يُشْبِهُ نِصَابَهُ فِي الْعِلْمِ، وَقَدْ تَوَلَّى الرَّدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَلَمْ يُنْصِفْهُ فِي الْأَكْثَرِ. أَمَّا قَوْلُهُ: (الَّذِي يُشْبِهُ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّهُ فِيمَا عَمَّ الزَّوْجَيْنِ) فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هُوَ نَصُّهُ، وَهِيَ مِنْ أَبْيَنِ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَأَوْضَحِهَا جَلَاءً، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ). وَمَنْ خَافَ مِنَ امْرَأَتِهِ نُشُوزًا وَعَظَهَا، فَإِنْ أَنَابَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ، فَإِنِ ارْعَوَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا، فَإِنِ اسْتَمَرَّتْ فِي غَلْوَائِهَا مَشَى الْحَكَمَانِ إِلَيْهِمَا. وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ نَصًّا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ بَيَانٌ. وَدَعْهُ لَا يَكُونُ نَصًّا، يَكُونُ ظَاهِرًا، فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ الشَّافِعِيُّ: يُشْبِهُ الظَّاهِرَ فَلَا نَدْرِي مَا الَّذِي «١» أَشْبَهَ الظَّاهِرَ؟. ثُمَّ قَالَ: (وَأَذِنَ فِي خَوْفِهِمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ بِالْخُلْعِ وَذَلِكَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بِرِضَا الْمَرْأَةِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ وَهُوَ نَصُّهُ. ثُمَّ قَالَ:) فَلَمَّا أَمَرَ بِالْحَكَمَيْنِ عَلِمْنَا أَنَّ حُكْمَهُمَا غَيْرُ حُكْمِ الْأَزْوَاجِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ بِأَنْ يَنْفُذَ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا فَتَتَحَقَّقُ الْغَيْرِيَّةُ. فَأَمَّا إِذَا أَنْفَذَا عَلَيْهِمَا مَا وَكَّلَاهُمَا بِهِ فَلَمْ يَحْكُمَا بِخِلَافِ أَمْرِهِمَا فَلَمْ تَتَحَقَّقِ الْغَيْرِيَّةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (بِرِضَى الزَّوْجَيْنِ وَتَوْكِيلِهِمَا) فَخَطَأٌ صُرَاحٌ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَاطَبَ غَيْرَ الزَّوْجَيْنِ إِذَا خَافَ الشِّقَاقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِإِرْسَالِ الْحَكَمَيْنِ، وَإِذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ غَيْرَهُمَا كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ بِتَوْكِيلِهِمَا، وَلَا يَصِحُّ لَهُمَا حُكْمٌ إِلَّا بِمَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ. هَذَا وَجْهُ الْإِنْصَافِ وَالتَّحْقِيقُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِ التَّحْكِيمِ، وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُ الْخَوَارِجُ إِنَّهُ لَيْسَ التَّحْكِيمُ لِأَحَدٍ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذِهِ كَلِمَةُ حَقٍّ [ولكن «٢»] يريدون بها الباطل.
[[سورة النساء (٤): آية ٣٦]]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦)
(١). في د: ما الذي ما أشبه الظاهر. [ ..... ](٢). من ج وط، ز، د. يريدون ما حكم الا فيه لأغير.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute