فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَالِ الْمُنَافِقِينَ فَيَتَنَاجَى الْمُنَافِقُونَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا فَشَا الْإِسْلَامُ سَقَطَ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ خَاصٌّ بِالسَّفَرِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ فِيهَا صَاحِبَهُ، فَأَمَّا فِي الْحَضَرِ وَبَيْنَ الْعِمَارَةِ فَلَا، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَنْ يُعِينُهُ، بِخِلَافِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ الِاغْتِيَالِ وَعَدَمِ الْمُغِيثِ «١». وَاللَّهُ أعلم.
[[سورة المجادلة (٥٨): آية ١١]]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١)
فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) «٢» لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ الْيَهُودَ يُحَيُّونَهُ بِمَا لَمْ يُحَيِّهِ بِهِ اللَّهُ وَذَمَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَصَلَ بِهِ الْأَمْرُ بِتَحْسِينِ الْأَدَبِ فِي مُجَالَسَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى لَا يُضَيِّقُوا عَلَيْهِ الْمَجْلِسَ، وَأَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّعَاطُفِ وَالتَّآلُفِ حَتَّى يَفْسَحَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، حَتَّى يَتَمَكَّنُوا مِنَ الِاسْتِمَاعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّظَرِ إِلَيْهِ. قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: كَانُوا يَتَنَافَسُونَ فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُمِرُوا أَنْ يُفْسِحَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ. وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَجَالِسُ الْقِتَالِ إِذَا اصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ. قَالَ الْحَسَنُ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ تَشَاحَّ أَصْحَابُهُ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ «٣» فَلَا يُوَسِّعُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، رَغْبَةً فِي الْقِتَالِ وَالشَّهَادَةِ فَنَزَلَتْ. فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ: (مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) «٤». وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّفَّةِ، وَكَانَ فِي الْمَكَانِ ضِيقٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه
(١). في ح، ز، س، ل، هـ: (الغوث).(٢). الأصول على قراءة نافع (في المجلس) بالإفراد.(٣). في ل: (الأول فالأول).(٤). راجع ج ٤ ص ١٨٤
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute