رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا «١» بِالْحَقِّ" [الْأَعْرَافِ: ٨٩] وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" الْبَقَرَةِ" «٢» وَغَيْرِهَا." قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ" عَلَى الظَّرْفِ. وَأَجَازَ الْفَرَّاءُ الرَّفْعَ." لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ" أَيْ يُؤَخَّرُونَ وَيُمْهَلُونَ لِلتَّوْبَةِ، إِنْ كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ يَوْمَ بَدْرٍ أَوْ فَتْحَ مَكَّةَ. فَفِي بَدْرٍ قُتِلُوا، وَيَوْمَ الْفَتْحِ هَرَبُوا «٣» فَلَحِقَهُمْ خالد بن الوليد فقتلهم.
[[سورة السجده (٣٢): آية ٣٠]]
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) قيل: مَعْنَاهُ فَأَعْرِضْ عَنْ سَفَهِهِمْ وَلَا تُجِبْهُمْ إِلَّا بِمَا أُمِرْتَ بِهِ. (وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) أَيِ انْتَظِرْ يَوْمَ الْفَتْحِ، يَوْمَ يَحْكُمُ اللَّهُ لَكَ عَلَيْهِمْ. ابْنُ عَبَّاسٍ:" فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ" أَيْ عَنْ مُشْرِكِي قُرَيْشِ مَكَّةَ، وَأَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِالسَّيْفِ فِي" بَرَاءَةٌ" فِي قَوْلِهِ:" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" «٤» [التوبة: ٥]." وَانْتَظِرْ" أَيْ مَوْعِدِي لَكَ. قِيلَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ." إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ" أَيْ يَنْتَظِرُونَ بِكُمْ حَوَادِثَ الزَّمَانِ. وَقِيلَ: الْآيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، إِذْ قَدْ يَقَعُ الْإِعْرَاضُ مَعَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ كَالْهُدْنَةِ وَغَيْرِهَا. وقيل: أعرض عنهم بعد ما بَلَّغْتَ الْحُجَّةَ، وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ. إِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَنْتَظِرُونَ الْقِيَامَةَ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ؟ فَفِي هَذَا جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا- أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْقِيَامَةِ، فَيَكُونُ هَذَا مَجَازًا. وَالْآخَرُ- أَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَشُكُّ وَفِيهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْقِيَامَةِ، فَيَكُونُ هَذَا جَوَابًا لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقَعِ:" إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ" بِفَتْحِ الظَّاءِ. وَرُوِيَتْ عَنْ مُجَاهِدٍ وَابْنِ مُحَيْصِنٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَصِحُّ هَذَا إِلَّا بِإِضْمَارٍ، مَجَازُهُ: إِنَّهُمْ مُنْتَظَرُونَ بِهِمْ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: الصَّحِيحُ الْكَسْرُ، أَيِ انْتَظِرْ عَذَابَهُمْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ هَلَاكَكَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قِرَاءَةَ ابْنِ السَّمَيْقَعِ (بِفَتْحِ الظَّاءِ) مَعْنَاهَا: وَانْتَظِرْ هَلَاكَهُمْ فَإِنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ يُنْتَظَرَ هَلَاكُهُمْ، يَعْنِي إِنَّهُمْ هَالِكُونَ لَا مَحَالَةَ، وَانْتَظِرْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ فِي السَّمَاءِ يَنْتَظِرُونَهُ، ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ. وَهُوَ مَعْنَى قول الفراء. والله أعلم.
(١). راجع ج ٧ ص ٢٥٠ فما بعد.(٢). راجع ج ٢ ص ٣ فما بعد.(٣). في ش: (هزموا).(٤). راجع ج ٧ ص ٧٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute