تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) «١» فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أُزَكِّيهِ غَيْرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاللَّهِ تَعَالَى أعلم.
[سورة النجم (٥٣): الآيات ٣٣ الى ٣٥]
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى. وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى) [الْآيَاتِ «٢»] لَمَّا بَيَّنَ جَهْلَ الْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ذَكَرَ وَاحِدًا مِنْهُمْ مُعَيَّنًا بِسُوءِ فِعْلِهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ قَدِ اتَّبَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دِينِهِ فَعَيَّرَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ، وَقَالَ: لِمَ تَرَكْتَ دِينَ الْأَشْيَاخِ وَضَلَّلْتَهُمْ»
وَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: إِنِّي خَشِيتُ عَذَابَ اللَّهِ، فَضَمِنَ لَهُ إِنْ هُوَ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَرَجَعَ إِلَى شِرْكِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ عَذَابَ اللَّهِ، فَأَعْطَى الَّذِي عَاتَبَهُ بَعْضَ مَا كَانَ ضَمِنَ [لَهُ «٤»] ثُمَّ بَخِلَ وَمَنَعَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ مقاتل: كال الْوَلِيدُ مَدَحَ الْقُرْآنَ ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْهُ فَنَزَلَ: (وَأَعْطى قَلِيلًا) أَيْ مِنَ الْخَيْرِ بِلِسَانِهِ (وَأَكْدى) أَيْ قَطَعَ ذَلِكَ وَأَمْسَكَ عَنْهُ. وَعَنْهُ أَنَّهُ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْدَ الْإِيمَانِ ثُمَّ تَوَلَّى فَنَزَلَتْ: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ والمسيب ابن شَرِيكٍ: نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَتَصَدَّقُ وَيُنْفِقُ فِي الْخَيْرِ، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ: مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعُ؟ يوشك ألا يبقى لك شي. فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّ لِي ذُنُوبًا وَخَطَايَا، وَإِنِّي أَطْلُبُ بِمَا أَصْنَعُ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَأَرْجُو عَفْوَهُ! فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَعْطِنِي نَاقَتَكَ بِرَحْلِهَا وَأَنَا أَتَحَمَّلُ عَنْكَ ذُنُوبَكَ كُلَّهَا. فَأَعْطَاهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَأَمْسَكَ عَنْ بَعْضِ مَا كَانَ يَصْنَعُ [مِنَ الصَّدَقَةِ «٥»] فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى. وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى) فَعَادَ عُثْمَانُ إِلَى أَحْسَنِ ذَلِكَ وَأَجْمَلِهِ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْوَاحِدِيُّ وَالثَّعْلَبِيُّ. وَقَالَ السُّدِّيُّ أَيْضًا: نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بن وائل السهمي، وذلك أنه
(١). راجع ج ٥ ص (٢٤٦)(٢). من ب ول.(٣). في ب وس وهـ: (مللهم).(٤). الزيادة من أسباب النزول للواحدي.(٥). الزيادة من أسباب النزول للواحدي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute