[سورة المؤمنون (٢٣): الآيات ٩٧ الى ٩٨]
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ). فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ) الْهَمَزَاتُ هِيَ جَمْعُ هَمْزَةٍ. وَالْهَمْزُ فِي اللُّغَةِ النَّخْسُ وَالدَّفْعُ، يُقَالُ: هَمَزَهُ وَلَمَزَهُ وَنَخَسَهُ دَفَعَهُ. قَالَ اللَّيْثُ: الْهَمْزُ كَلَامٌ مِنْ وَرَاءِ الْقَفَا، وَاللَّمْزُ مُوَاجَهَةً. وَالشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُ فَيَهْمِسُ فِي وَسْوَاسِهِ فِي صَدْرِ ابْنِ آدَمَ، وَهُوَ قَوْلُهُ:" أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ" أَيْ نَزَغَاتِ الشَّيَاطِينِ الشَّاغِلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي الحديث: كان يتعوذ من همز الشياطين وَلَمْزِهِ وَهَمْسِهِ. قَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: إِذَا أَسَرَّ الْكَلَامَ وَأَخْفَاهُ فَذَلِكَ الْهَمْسُ مِنَ الْكَلَامِ. وَسُمِّيَ الأسد هوسا، لأنه يمشى بخفة فلا يُسْمَعُ صَوْتُ وَطْئِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" طه «١» ". الثَّانِيَةُ- أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِالتَّعَوُّذِ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي هَمَزَاتِهِ، وَهِيَ سَوْرَاتُ الْغَضَبِ الَّتِي لَا يَمْلِكُ الإنسان فيها نفسه، وكأنها هِيَ الَّتِي كَانَتْ تُصِيبُ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ الْكُفَّارِ فَتَقَعُ الْمُحَادَّةُ فَلِذَلِكَ اتَّصَلَتْ بِهَذِهِ الْآيَةِ. فَالنَّزَغَاتُ وَسَوْرَاتُ الْغَضَبِ الْوَارِدَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ هِيَ الْمُتَعَوَّذُ مِنْهَا فِي الْآيَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ" الأعراف «٢» بيانه مستوفى، وفي أو الْكِتَابِ أَيْضًا «٣». وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّائِيِّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حِبَّانَ أَنَّ خَالِدًا كَانَ يُؤَرَّقُ مِنَ اللَّيْلِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونَ. وَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ عُمَرُ: وَهَمْزُهُ الْمَوْتَةُ، قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: الْمَوْتَةُ يَعْنِي الْجُنُونَ. وَالتَّعَوُّذُ أَيْضًا مِنَ الْجُنُونِ وَكِيدٌ. وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ" رَبِّ عَائِذًا بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَعَائِذًا بِكَ أَنْ يَحْضُرُونَ، أَيْ يَكُونُوا مَعِي في أموري،
(١). راجع ج ١١ ص ٢٤٧. [ ..... ](٢). راجع ج ٧ ص ٣٤٧.(٣). راجع ج ١ ص ٨٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute