أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ سَبَبُ اهْتِدَاءٍ. وَمَعْنَى (لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أَيِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ أَسَدُّ وَأَعْدَلُ وَأَصْوَبُ، فَ" الَّتِي" نَعْتٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ، أَيِ الطَّرِيقَةِ إِلَى نَصٍّ أَقْوَمَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: لِلْحَالِ الَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الْحَالَاتِ، وَهِيَ تَوْحِيدُ اللَّهِ وَالْإِيمَانُ بِرُسُلِهِ. وَقَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَالْفَرَّاءُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ) تَقَدَّمَ «١». (أَنَّ لَهُمْ) أَيْ بِأَنَّ لَهُمْ. (أَجْراً كَبِيراً) أَيِ الْجَنَّةَ. (وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أَيْ وَيُبَشِّرُهُمْ بِأَنَّ لِأَعْدَائِهِمُ الْعِقَابَ. وَالْقُرْآنُ مُعْظَمُهُ وَعْدٌ وَوَعِيدٌ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُ" وَيُبَشِّرُ" مُخَفَّفًا بِفَتْحِ الْيَاءِ وضم الشين، وقد ذكر «٢».
[[سورة الإسراء (١٧): آية ١١]]
وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: هُوَ دُعَاءُ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ عِنْدَ الضَّجَرِ بِمَا لَا يُحِبُّ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ: اللَّهُمَّ أَهْلِكْهُ، وَنَحْوُهُ. (دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) أَيْ كَدُعَائِهِ رَبَّهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ الْعَافِيَةَ، فَلَوِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّرِّ هَلَكَ لَكِنْ بِفَضْلِهِ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ فِي ذَلِكَ. نَظِيرُهُ:" وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ" وَقَدْ تَقَدَّمَ «٣». وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، كَانَ يَدْعُو وَيَقُولُ:" اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ «٤» ". وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَدْعُوَ فِي طَلَبِ الْمَحْظُورِ كَمَا يَدْعُو فِي طَلَبِ الْمُبَاحِ، قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ ابْنُ جَامِعٍ:
أَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِيمَنْ يَطُوفُ ... وَأَرْفَعُ مِنْ مِئْزَرِي الْمُسْبَلِ
وَأَسْجُدُ بِاللَّيْلِ حَتَّى الصَّبَاحِ ... وَأَتْلُو مِنَ الْمُحْكَمِ الْمُنْزَلِ
عَسَى فَارِجَ الْهَمِّ عَنْ يوسف ... يسخر لي ربة المحمل
(١). راجع ج ١ ص ٣٣٨.(٢). راجع ج ٤ ص ٧٥.(٣). راجع ج ٨ ص ٣١٤.(٤). راجع ج ٧ ص ٣٩٨ وج ٨ ص ٣١٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute