وَقَالَ أَبُو سَهْلٍ: أَيْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، كَمَا قَالَ:
فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ لَا ثَوْبَ فَاجِرٍ ... لَبِسْتُ، ولا من غدرة أتقنع
وقيل: حامد تَعَالَى بِأَلْسِنَتِكُمْ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: تَخْرُجُ الْكُفَّارُ مِنْ قُبُورِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، وَلَكِنْ لَا يَنْفَعُهُمُ اعْتِرَافُ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «١»:" بِحَمْدِهِ" بِأَمْرِهِ، أَيْ تُقِرُّونَ بِأَنَّهُ خَالِقُكُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى بِقُدْرَتِهِ. وَقِيلَ: بِدُعَائِهِ إِيَّاكُمْ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ النَّفْخَ فِي الصُّوَرِ إِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِخُرُوجِ أَهْلِ الْقُبُورِ، بِالْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ خُرُوجُ الْخَلْقِ بِدَعْوَةِ الْحَقِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ" فَيَقُومُونَ يَقُولُونَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ. قَالَ: فَيَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ يُبْدَأُ بِالْحَمْدِ وَيُخْتَمُ بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ" وَقَالَ فِي آخَرَ" وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «٢» ". (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا) يَعْنِي بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَذَابَ يُكَفُّ عَنِ الْمُعَذَّبِينَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَرْبَعُونَ عَامًا فَيَنَامُونَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا «٣» " فَيَكُونُ خَاصًّا لِلْكُفَّارِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لِلْكَافِرِينَ هَجْعَةٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَجِدُونَ فِيهَا طَعْمَ النَّوْمِ، فَإِذَا صِيحَ بِأَهْلِ الْقُبُورِ قَامُوا مَذْعُورِينَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى أَنَّ الدُّنْيَا تَحَاقَرَتْ فِي أَعْيُنِهِمْ وَقَلَّتْ حِينَ رَأَوْا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. الْحَسَنُ:" وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا" فِي الدُّنْيَا لِطُولِ لُبْثكُمْ في الآخرة.
[[سورة الإسراء (١٧): آية ٥٣]]
وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) تَقَدَّمَ إِعْرَابُهُ «٤». وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ شَتَمَهُ، وَسَبَّهُ عُمَرُ وَهَمَّ بِقَتْلِهِ، فَكَادَتْ تُثِيرُ فِتْنَةً فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ:" وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" ذَكَرَهُ الثعلبي والماوردي
(١). في ج: وسفيان.(٢). راجع ج ١٥ ص ٢٨٤ وص ٣٩.(٣). راجع ج ١٥ ص ٢٨٤ وص ٣٩.(٤). راجع ج ٩ ص ٣٦٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute