لِأَعْمَلَ بِهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَالِمٌ: إِنْ عَمِلْتَ بِسِيرَةِ عُمَرَ، فَأَنْتَ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ لِأَنَّ زَمَانَكَ لَيْسَ كَزَمَانِ عُمَرَ، وَلَا رِجَالَكَ كَرِجَالِ عُمَرَ. قَالَ: وَكَتَبَ إِلَى فُقَهَاءِ زَمَانِهِ، فَكُلُّهُمْ كَتَبَ إِلَيْهِ بِمِثْلِ قَوْلِ سَالِمٍ. وَقَدْ عَارَضَ بَعْضُ الْجِلَّةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي) بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ). قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي مَعَ تَوَاتُرِ طُرُقِهَا وَحُسْنِهَا التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَآخِرِهَا. وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الزَّمَانِ الْفَاسِدِ الَّذِي يُرْفَعُ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَيَكْثُرُ فِيهِ الْفِسْقُ وَالْهَرْجُ، وَيُذَلُّ الْمُؤْمِنُ وَيُعَزُّ الْفَاجِرُ وَيَعُودُ الدِّينُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا وَيَكُونُ الْقَائِمُ فِيهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، فَيَسْتَوِي حِينَئِذٍ أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِآخِرِهَا فِي فَضْلِ الْعَمَلِ إِلَّا أَهْلَ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ، وَمَنْ تَدَبَّرَ آثَارَ هَذَا الْبَابِ بَانَ لَهُ الصَّوَابُ «١»، وَاللَّهُ يُؤْتِي فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) مَدْحٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَا أَقَامُوا ذَلِكَ وَاتَّصَفُوا بِهِ. فَإِذَا تَرَكُوا التَّغْيِيرَ وَتَوَاطَئُوا عَلَى الْمُنْكَرِ زَالَ عَنْهُمُ اسْمُ الْمَدْحِ وَلَحِقَهُمُ اسْمُ الذَّمِّ، وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِهَلَاكِهِمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ «٢». قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أَخْبَرَ أَنَّ إِيمَانَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ لَهُمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّ مِنْهُمْ مؤمنا وفاسقا، وأن الفاسق أكثر.
[[سورة آل عمران (٣): آية ١١١]]
لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (١١١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) يَعْنِي كَذِبَهُمْ وَتَحْرِيفَهُمْ وَبُهْتَهُمْ، لَا أَنَّهُ تَكُونُ لَهُمُ الْغَلَبَةُ، عَنِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ. فَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، وَالْمَعْنَى لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا ضَرًّا يَسِيرًا، فَوَقَعَ الْأَذَى مَوْقِعَ الْمَصْدَرِ. فَالْآيَةُ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يَغْلِبُونَهُمْ وَأَنَّهُمْ مَنْصُورُونَ عَلَيْهِمْ لَا يَنَالُهُمْ مِنْهُمُ اصْطِلَامٌ «٣» إلا إيذاء بالبهت
(١). في د وب: الكتاب.(٢). راجع ص ٤٦ من هذا الجزء. [ ..... ](٣). الاصطلام: الاستئصال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute