مِنْ نَفَقَةٍ فَعَلَى اللَّهِ خَلَفُهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنْ نَفَقَةٍ فِي بُنْيَانٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ (. قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ: قُلْتُ لِابْنِ الْمُنْكَدِرِ:" مَا وَقَى الرَّجُلُ عِرْضَهُ"؟ قَالَ: يُعْطِي الشَّاعِرَ وَذَا اللِّسَانِ. عَبْدُ الْحَمِيدِ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ. قُلْتُ: أَمَّا مَا أَنْفَقَ فِي مَعْصِيَةٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ غَيْرُ مُثَابٍ عَلَيْهِ وَلَا مَخْلُوفٌ لَهُ. وَأَمَّا الْبُنْيَانُ فَمَا كَانَ مِنْهُ ضَرُورِيًّا يَكِنُّ الْإِنْسَانُ وَيَحْفَظُهُ فَذَلِكَ مَخْلُوفٌ عَلَيْهِ وَمَأْجُورٌ بِبُنْيَانِهِ. وَكَذَلِكَ كَحِفْظِ بِنْيَتِهِ وَسَتْرِ عَوْرَتِهِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ لِابْنِ آدَمَ حَقٌّ فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ، بَيْتٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَجِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ). وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي" الْأَعْرَافِ" «١» مُسْتَوْفًى. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) لَمَّا كَانَ يُقَالُ فِي الْإِنْسَانِ: إِنَّهُ يَرْزُقُ عِيَالَهُ وَالْأَمِيرُ جُنْدَهُ، قَالَ:" وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" وَالرَّازِقُ مِنَ الْخَلْقِ يَرْزُقُ، لَكِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالٍ يُمْلَكُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَنْقَطِعُ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَرْزُقُ مِنْ خَزَائِنَ لَا تَفْنَى وَلَا تَتَنَاهَى. وَمَنْ أَخْرَجَ مِنْ عَدَمٍ إِلَى الْوُجُودِ فَهُوَ الرَّازِقُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَمَا قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" «٢» [الذاريات: ٥٨].
[سورة سبإ (٣٤): الآيات ٤٠ الى ٤١]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ «٣» جَمِيعاً) هَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ:" وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ" «٤» [سبأ: ٣١]. أَيْ لَوْ تَرَاهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَرَأَيْتَ أَمْرًا فَظِيعًا. وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ هُوَ وَأُمَّتُهُ. ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ تَرَاهُمْ أَيْضًا" يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً" الْعَابِدِينَ وَالْمَعْبُودِينَ، أَيْ نَجْمَعُهُمْ لِلْحِسَابِ (ثُمَّ يَقُولُ «٥» لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ). قَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: هذا
(١). راجع ج ٧ ص (٢٣٩)(٢). راجع ج ١٧ ص (٥٥)(٣). قوله (نحشرهم، نقول) بالنون قراءة نافع.(٤). راجع ص ٣٠٢ من هذا الجزء.(٥). قوله (نحشرهم، نقول) بالنون قراءة نافع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute