عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ الْمُضْمَرَةِ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَلَا يَحْسُنُ حَالًا إِذْ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الْحَالُ مِنَ السَّائِلِ أَوِ الْمَسْئُولِ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهَا حَالًا مِنَ الْفَاعِلِ، لِأَنَّ الْخَبِيرَ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهُ. وَلَا يَكُونُ مِنَ الْمَفْعُولِ، لِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ وَهُوَ الرَّحْمَنُ خَبِيْرٌ أَبَدًا، وَالْحَالُ فِي أَغْلَبِ الْأَمْرِ يَتَغَيَّرُ وَيَنْتَقِلُ، إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهَا حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ، مِثْلُ:" وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً «١» " فَيَجُوزُ. وَأَمَّا" الرَّحْمنُ" فَفِي رَفْعِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: يَكُونُ بَدَلًا مِنَ الْمُضْمَرِ الَّذِي فِي" اسْتَوى ". وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِمَعْنَى هُوَ الرَّحْمَنُ. وَيَجُوزُ أَنْ يكون مرفوعا بالابتداء وخبره" فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً". وَيَجُوزُ الْخَفْضُ بِمَعْنَى وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ الرَّحْمَنِ، يَكُونُ نَعْتًا. ويجوز النصب على المدح.
[[سورة الفرقان (٢٥): آية ٦٠]]
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ) أَيْ لِلَّهِ تَعَالَى. (قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ وَالتَّعَجُّبِ، أَيْ مَا نَعْرِفُ الرَّحْمَنَ إِلَّا رَحْمَانَ الْيَمَامَةَ، يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ. وَزَعَمَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُمْ إِنَّمَا جَهِلُوا الصِّفَةَ لَا الْمَوْصُوفَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:" وَمَا الرَّحْمنُ" وَلَمْ يَقُولُوا وَمَنِ الرَّحْمَنُ. قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: وَكَأَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَقْرَأِ الْآيَةَ الْأُخْرَى" وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ «٢» ". (أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) هَذِهِ قِرَاءَةُ الْمَدَنِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ، أَيْ لِمَا تَأْمُرُنَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ. وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ:" يَأْمُرُنَا" بِالْيَاءِ. يَعْنُونَ الرَّحْمَنَ، كَذَا تَأَوَّلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: وَلَوْ أَقَرُّوا بِأَنَّ الرَّحْمَنَ أَمَرَهُمْ مَا كَانُوا كُفَّارًا. فَقَالَ النَّحَّاسُ: وَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَنِ الْكُوفِيِّينَ فِي قِرَاءَتِهِمْ هَذَا التَّأْوِيلُ الْبَعِيدُ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ التَّأْوِيلُ لَهُمْ" أَنَسْجُدُ لِمَا يَأْمُرُنَا" النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَصِحُّ الْقِرَاءَةُ عَلَى هَذَا، وَإِنْ كَانَتِ الْأُولَى أَبْيَنَ وَأَقْرَبَ تَنَاوُلًا «٣». (وَزادَهُمْ نُفُوراً) أَيْ زَادَهُمْ قَوْلُ الْقَائِلِ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ نُفُورًا عَنِ الدِّينِ. وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِلَهِي زَادَنِي لَكَ خُضُوعًا مَا زَادَ عداك نفورا.
(١). راجع ج ٢ ص ٢٩(٢). راجع ج ٩ ص ٣١٧(٣). في ك وز: متناولا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute