[[سورة الأنعام (٦): آية ٥٤]]
وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) السَّلَامُ وَالسَّلَامَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَمَعْنَى" سَلامٌ عَلَيْكُمْ" سَلَّمَكُمُ اللَّهُ فِي دِينِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ، نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ نَهَى اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ طَرْدِهِمْ، فَكَانَ إِذَا رَآهُمْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ وَقَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أَمَرَنِي أَنْ أَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ) فَعَلَى هَذَا كَانَ السَّلَامُ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ أَبْلِغْهُمْ مِنَّا السَّلَامُ، وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهِمْ وَمَكَانَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ وَنَفَرٍ فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا، قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟! فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ) فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهُ أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لَا، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى رِفْعَةِ مَنَازِلِهِمْ وَحُرْمَتِهِمْ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي [مَعْنَى] «١» الْآيَةِ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا احْتِرَامُ الصَّالِحِينَ وَاجْتِنَابُ مَا يُغْضِبُهُمْ أَوْ يُؤْذِيهِمْ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ غَضَبَ اللَّهِ، أَيْ حُلُولَ عِقَابِهِ بِمَنْ آذَى أَحَدًا مِنْ أَوْلِيَائِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ] «٢». وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: جَاءَ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ أَصَبْنَا مِنَ الذُّنُوبِ فَاسْتَغْفِرْ لَنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مِثْلُهُ سَوَاءٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أَيْ أَوْجَبَ ذَلِكَ بِخَبَرِهِ الصِّدْقِ، وَوَعْدِهِ الْحَقِّ، فَخُوطِبَ الْعِبَادُ عَلَى مَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَنَّهُ مَنْ كَتَبَ شَيْئًا فَقَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَقِيلَ: كَتَبَ ذَلِكَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. (أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) أَيْ خَطِيئَةً من غير قصد،
(١). من ج، وع، ك، وه وى.(٢). من ك وى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute