قَالَ النَّحَّاسُ: جَعَلَ بِمَعْنَى خَلَقَ وَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى خَلَقَ لَمْ تَتَعَدَّ إِلَّا إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى وَمَحَامِلُ جَعَلَ فِي (الْبَقَرَةِ) «١» مُسْتَوْفًى. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ وَالْمَعْنَى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَجْعَلُونَ لِلَّهِ عَدْلًا وَشَرِيكًا وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَحْدَهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَ" ثُمَّ" دَالَّةٌ عَلَى قُبْحِ فعل الكافرين لان المعنى: أن خلقه السموات وَالْأَرْضَ قَدْ تَقَرَّرَ وَآيَاتَهُ قَدْ سَطَعَتْ وَإِنْعَامَهُ بِذَلِكَ قَدْ تَبَيَّنَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ عَدَلُوا بِرَبِّهِمْ فَهَذَا كَمَا تَقُولُ: يَا فُلَانُ أَعْطَيْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ وَأَحْسَنْتُ إِلَيْكَ ثُمَّ تَشْتُمُنِي وَلَوْ وَقَعَ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ لَمْ يلزم التوبيخ كلزومه بثم والله أعلم.
[[سورة الأنعام (٦): آية ٢]]
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) الْآيَةُ خَبَرٌ وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَعَلَيْهِ مِنَ الْخَلْقِ الْأَكْثَرِ أَنَّ الْمُرَادَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْخَلْقُ نَسْلُهُ وَالْفَرْعُ يُضَافُ إِلَى أَصْلِهِ فَلِذَلِكَ قَالَ:" خَلَقَكُمْ" بِالْجَمْعِ فَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْخِطَابِ لَهُمْ إِذْ كَانُوا وَلَدَهُ، هَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ وَابْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ النُّطْفَةُ خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ طِينٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ ثُمَّ قَلَبَهَا حَتَّى كَانَ الْإِنْسَانُ مِنْهَا ذَكَرَهُ النحاس. قلت: وبالجملة فلما ذكر عز وجل خَلْقَ الْعَالَمِ الْكَبِيرِ ذَكَرَ بَعْدَهُ خَلْقَ الْعَالَمِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الْإِنْسَانُ وَجَعَلَ فِيهِ مَا فِي الْعَالَمِ الْكَبِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي" الْبَقَرَةِ" «٢» فِي آيَةِ التَّوْحِيدِ] وَاللَّهُ أَعْلَمُ [«٣» وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ عَنْ مُرَّةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْمَلَكَ الْمُوَكَّلَ بِالرَّحِمِ يَأْخُذُ النُّطْفَةَ فَيَضَعُهَا عَلَى كَفِّهِ ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ مُخَلَّقَةٌ أَوْ غَيْرُ مُخَلَّقَةٍ؟ فَإِنْ قَالَ مُخَلَّقَةً قَالَ: يَا رَبِّ مَا الرِّزْقُ مَا الْأَثَرُ مَا الْأَجَلُ؟ فَيَقُولُ: انْظُرْ فِي أُمِّ الْكِتَابِ فَيَنْظُرُ فِي اللَّوْحِ
(١). راجع ج ١ ص ٢٢٨.(٢). راجع ج ٢ ص ٢٠٢ وما بعدها.(٣). من ع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute