قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ" هَذِهِ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ عَلَى أَنَّهُ مُسَمَّى الْفَاعِلِ" الْمَوْتَ" نَصْبًا، أَيْ قَضَى اللَّهُ عَلَيْهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ، لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ:" اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ" فَهُوَ يَقْضِي عَلَيْهَا. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" قُضِيَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ" عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. النَّحَّاسُ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ غَيْرَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى أَبْيَنُ وَأَشْبَهُ بِنَسَقِ الْكَلَامِ، لِأَنَّهُمْ قد أجمعوا على" ويرسل،" ولم يقرءوا" وَيُرْسَلُ،". وَفِي الْآيَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَانْفِرَادِهِ بِالْأُلُوهِيَّةِ، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيُحْيِي وَيُمِيتُ، لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ سِوَاهُ." إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ" يَعْنِي فِي قَبْضِ اللَّهِ نَفْسَ الْمَيِّتِ وَالنَّائِمِ، وَإِرْسَالِهِ نَفْسَ النَّائِمِ وَحَبْسِهِ نَفْسَ الْمَيِّتِ" لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ." وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ سَمِعْتُ مُعْتَمِرًا يَقُولُ: رُوحُ الْإِنْسَانِ مِثْلُ كُبَّةِ «١» الْغَزْلِ، فَتُرْسَلُ الرُّوحُ، فَيَمْضِي ثُمَّ تَمْضِي ثُمَّ تُطْوَى فَتَجِيءُ فَتَدْخُلُ، فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ يُرْسَلُ مِنَ الروح شي فِي حَالِ النَّوْمِ وَمُعْظَمُهَا فِي الْبَدَنِ مُتَّصِلٌ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا اتِّصَالًا خَفِيًّا، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ الْمَرْءُ جَذَبَ مُعْظَمُ رُوحِهِ مَا انْبَسَطَ مِنْهَا فعاد. وقيل غير هذا، وفي التنزيل:" وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" [الإسراء: ٨٥] أَيْ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللَّهُ. وَقَدْ تقدم في [سبحان «٢»].
[سورة الزمر (٣٩): الآيات ٤٣ الى ٤٥]
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤) وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ" أَيْ بَلِ اتَّخَذُوا يَعْنِي الْأَصْنَامَ وَفِي الْكَلَامِ مَا يَتَضَمَّنُ لَمْ، أَيْ" إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" لَمْ يَتَفَكَّرُوا وَلَكِنَّهُمُ اتَّخَذُوا آلِهَتَهُمْ شُفَعَاءَ." قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً" أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَتَتَّخِذُونَهُمْ شُفَعَاءَ وإن كانوا
(١). كبة الغزل: ما جمع منه.(٢). راجع ج ١ ص ٣٢٣ وما بعدها طبعه أولى أو ثانية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute