أبو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْحَنَفِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ جَوَّزَ اتِّخَاذَ التَّابُوتِ فِي بِلَادِهِمْ لِرِخَاوَةِ الْأَرْضِ. وَقَالَ: لَوِ اتُّخِذَ تَابُوتٌ مِنْ حَدِيدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُفْرَشَ فِيهِ التُّرَابُ وَتُطَيَّنَ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِمَّا يَلِي الْمَيِّتَ، وَيُجْعَلُ اللَّبِنُ الْخَفِيفُ عَلَى يَمِينِ الْمَيِّتِ وَيَسَارِهِ لِيَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ اللَّحْدِ. قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى جَعْلُ الْقَطِيفَةِ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الْمَدِينَةَ سَبِخَةٌ «١»، قَالَ شُقْرَانُ: أَنَا وَاللَّهِ طَرَحْتُ الْقَطِيفَةَ تَحْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ. قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُ شُقْرَانَ حَدِيثٌ حسن [صحيح «٢»] غريب.
[[سورة الكهف (١٨): آية ٢٢]]
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) الضَّمِيرُ فِي" سَيَقُولُونَ" يُرَادُ بِهِ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَمَعَاصِرِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذلك أنهم اختلفوا عَدَدِ أَهْلِ الْكَهْفِ هَذَا الِاخْتِلَافَ الْمَنْصُوصُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ النَّصَارَى، فَإِنَّ قَوْمًا مِنْهُمْ حَضَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَجْرَانَ فَجَرَى ذِكْرُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَقَالَتِ الْيَعْقُوبِيَّةُ: كَانُوا ثَلَاثَةً رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ. وَقَالَتِ النَّسْطُورِيَّةُ: كَانُوا خَمْسَةً سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كَانُوا سَبْعَةً ثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ. وَقِيلَ: هُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الْيَهُودِ الَّذِينَ أَمَرُوا الْمُشْرِكِينَ بِمَسْأَلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أصحاب الكهف. والواو في قول" وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ" طريق النحو بين أَنَّهَا وَاوُ عَطْفٍ دَخَلَتْ فِي آخِرِ إِخْبَارٍ عَنْ عَدَدِهِمْ، لِتَفْصِلَ أَمْرَهُمْ، وَتَدُلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا غَايَةُ «٣» مَا قِيلَ، وَلَوْ سَقَطَتْ لَصَحَّ الْكَلَامُ. وَقَالَتِ فِرْقَةٌ مِنْهَا ابْنُ خَالَوَيْهِ: هِيَ وَاوُ الثَّمَانِيَةِ. وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَقُولُ فِي عَدَدِهَا سِتَّةً سَبْعَةً وَثَمَانِيَةً، فَتُدْخِلُ الْوَاوَ فِي الثمانية. وحكى نحوه القفال، فقال:
(١). أرض سبخة: ذات ملح ونز.(٢). من ج.(٣). في ج: نهاية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute