حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ" «١»] يونس: ٢٢]. وَقَالَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ. أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ" أَلَمْ يَرَوْا" وَفِيهِمْ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ خَاطَبَهُمْ مَعَهُمْ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ مَا أَكْرَمَهُ: وَقُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ مَا أَكْرَمَكَ، وَلَوْ جَاءَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْغَيْبَةِ لَقَالَ: مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ. وَيَجُوزُ مَكِّنْهُ وَمَكِّنْ لَهُ، فَجَاءَ بِاللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا، أَيْ أَعْطَيْنَاهُمْ مَا لَمْ نُعْطِكُمْ مِنَ الدُّنْيَا. (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) يُرِيدُ الْمَطَرَ الْكَثِيرَ، عَبَّرَ عَنْهُ بِالسَّمَاءِ لِأَنَّهُ مِنَ السَّمَاءِ يَنْزِلُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشاعر «٢»
إذا سقط السماء بأرض قوم
و" مِدْراراً" بِنَاءٌ دَالٌّ عَلَى التَّكْثِيرِ، كَمِذْكَارٍ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي كَثُرَتْ وِلَادَتُهَا لِلذُّكُورِ، وَمِئْنَاثٌ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي تَلِدُ الْإِنَاثُ، يُقَالُ: دَرَّ اللَّبَنَ يَدِرُّ إِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْحَالِبِ بِكَثْرَةٍ. وَانْتَصَبَ" مِدْراراً" عَلَى الْحَالِ. وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ أَيْ مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ، وَمِنْهُ قَوْلُ فِرْعَوْنَ:" وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي" «٣»] الزخرف: ٥١] وَالْمَعْنَى: وَسَّعْنَا عَلَيْهِمُ النِّعَمَ فَكَفَرُوهَا. (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أَيْ بِكُفْرِهِمْ فَالذُّنُوبُ سَبَبُ الِانْتِقَامِ وَزَوَالِ النِّعَمِ. (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) أَيْ أَوْجَدْنَا، فليحذر هؤلاء من الإهلاك أيضا.
[[سورة الأنعام (٦): آية ٧]]
وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) الْآيَةَ. الْمَعْنَى: وَلَوْ نَزَّلْنَا يَا مُحَمَّدُ بِمَرْأًى مِنْهُمْ كَمَا زَعَمُوا وَطَلَبُوا كَلَامًا مَكْتُوبًا" فِي قِرْطاسٍ". وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كِتَابًا مُعَلَّقًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهَذَا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ التَّنْزِيلَ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا- عَلَى مَعْنَى نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِمَعْنَى نُزُولِ الْمَلَكِ بِهِ. وَالْآخَرُ- وَلَوْ نَزَّلْنَا كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ يمسكه الله بين السماء والأرض،
(١). راجع ج ٨ ص ٣٢٤.(٢). هو معود الحكماء- معاوية بن مالك- وفي ك: نزل السماء. وهي رواية: وهذا صدر بيت له، وتمامه:رعيناه إن كانوا غضاباوسمي معود الحكماء لقوله في هذه القصيدة:أعود مثلها الحكماء بعدي ... إذا ما الحق في الحدثان نابا[ ..... ](٣). راجع ج ١٦ ص ٩٨.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute