قُلْتُ: وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكَ، وَأَنَا عَلَى دِينِكَ وَسُنَّتِكَ، وَآمَنْتُ بِرَبِّكَ وَرَبِّ كُلِّ شي، وَآمَنْتُ بِكُلِّ مَا جَاءَ مِنْ رَبِّكَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَدْرَكْتُكَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِنْ لَمْ أُدْرِكْكَ فَاشْفَعْ لِي وَلَا تَنْسَنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنِّي مِنْ أُمَّتِكَ الْأَوَّلِينَ وَبَايَعْتُكَ قَبْلَ مَجِيئِكَ، وَأَنَا عَلَى مِلَّتِكَ وَمِلَّةِ أَبِيكَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ". ثُمَّ خَتَمَ الْكِتَابَ وَنَقَشَ عَلَيْهِ:" لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ" «١» [الروم: ٤]. وَكَتَبَ عَلَى عِنْوَانِهِ (إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نَبِيُّ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَرَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. مِنْ تُبَّعٍ الْأَوَّلِ". وَقَدْ ذَكَرْنَا بَقِيَّةَ خَبَرِهِ وَأَوَّلُهُ في" اللمع اللؤلؤية شَرْحُ الْعَشْرِ بَيِّنَاتٍ النَّبَوِيَّةِ" «٢» لِلْفَارَابِي رَحِمَهُ اللَّهُ. وَكَانَ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ تُبَّعٌ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي بُعِثَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفَ سَنَةٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. وَاخْتُلِفَ هَلْ كَانَ نَبِيًّا أَوْ مَلِكًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ تُبَّعٌ نَبِيًّا. وَقَالَ كَعْبٌ: كَانَ تُبَّعٌ مَلِكًا مِنَ الْمُلُوكِ، وَكَانَ قَوْمُهُ كُهَّانًا وَكَانَ مَعَهُمْ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَأَمَرَ الْفَرِيقَيْنِ أَنْ يُقَرِّبَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ قُرْبَانًا فَفَعَلُوا، فَتُقُبِّلَ قُرْبَانَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأَسْلَمَ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَا تَسُبُّوا تُبَّعًا فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا. وَحَكَى قَتَادَةُ أَنَّ تُبَّعًا كَانَ رَجُلًا مِنْ حِمْيَرٍ، سَارَ بِالْجُنُودِ حَتَّى عَبَرَ الْحِيرَةَ وَأَتَى سَمَرْقَنْدَ فَهَدَمَهَا، حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَحَكَى الثَّعْلَبِيُّ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ تُبَّعٌ الْحِمْيَرِيُّ، وَكَانَ سَارَ بِالْجُنُودِ حَتَّى عَبَرَ الْحِيرَةَ. وَبَنَى سَمَرْقَنْدَ وَقَتَلَ وَهَدَمَ الْبِلَادَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: تُبَّعٌ هُوَ أَبُو كَرْبٍ أسعد بن ملكيكرب، وَإِنَّمَا سُمِّيَ تُبَّعًا لِأَنَّهُ تَبِعَ مَنْ قَبْلَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الَّذِي كَسَا الْبَيْتَ الْحِبَرَاتَ «٣». وَقَالَ كَعْبٌ: ذَمَّ اللَّهُ قَوْمَهُ وَلَمْ يَذُمَّهُ، وَضَرَبَ بِهِمْ لِقُرَيْشٍ مِثْلًا لِقُرْبِهِمْ مِنْ دَارِهِمْ وَعِظَمِهِمْ فِي نُفُوسِهِمْ، فَلَمَّا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ قَبْلَهُمْ- لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ- كَانَ مَنْ أَجْرَمَ مَعَ ضَعْفِ الْيَدِ وَقِلَّةِ الْعَدَدِ أَحْرَى بِالْهَلَاكِ. وَافْتَخَرَ أَهْلُ الْيَمَنِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، إِذْ جَعَلَ اللَّهُ قَوْمَ تُبَّعٍ خَيْرًا مِنْ قُرَيْشٍ. وَقِيلَ: سُمِّيَ أَوَّلُهُمْ تُبَّعًا لِأَنَّهُ اتَّبَعَ قَرْنَ الشَّمْسِ وَسَافَرَ فِي الشَّرْقِ مَعَ العساكر.
(١). راجع ج ١٤ ص ١.(٢). اضطربت الأصول في هذا الكتاب وفي اسم مؤلفه، ولم نعثر عليه.(٣). الحبرات (بالكسر ففتح جمع حبرة وحبرة): ضرب من برود اليمن منمّر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute