الْمُرَادُ قُلُوبُ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ قُلُوبُ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ، لِأَنَّهُمْ حِينَ حَيِيَ وَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَعَادَ إِلَى مَوْتِهِ أَنْكَرُوا قَتْلَهُ، وَقَالُوا: كَذَبَ، بَعْدَ مَا رَأَوْا هَذِهِ الْآيَةَ الْعُظْمَى، فَلَمْ يَكُونُوا قَطُّ أَعْمَى قُلُوبًا، وَلَا أَشَدَّ تَكْذِيبًا لِنَبِيِّهِمْ مِنْهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ، لَكِنْ نَفَذَ حُكْمُ اللَّهِ بِقَتْلِهِ. رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي (. وَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:) أَرْبَعَةٌ مِنَ الشقاء جمود العين وقساء «١» الْقَلْبِ وَطُولُ الْأَمَلِ وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا (. قَوْلُهُ تَعَالَى:) فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (" أَوْ" قِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا قَالَ:" آثِماً أَوْ كَفُوراً" [الإنسان: ٢٤]." عُذْراً أَوْ نُذْراً" وَقَالَ الشَّاعِرُ:
نَالَ الْخِلَافَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا
أَيْ وَكَانَتْ. وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى بَلْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ" «٢» [الصافات: ١٤٧] الْمَعْنَى بَلْ يَزِيدُونَ. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى ... وَصُورَتُهَا أَوْ أَنْتِ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ «٣»
أَيْ بَلْ أَنْتِ وَقِيلَ: مَعْنَاهَا الْإِبْهَامُ عَلَى الْمُخَاطَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ:
أُحِبُّ مُحَمَّدًا حُبًّا شَدِيدًا ... وَعَبَّاسًا وَحَمْزَةَ أَوْ عَلِيًّا
فَإِنْ يَكُ حُبُّهُمْ رُشْدًا أُصِبْهُ ... وَلَسْتُ بِمُخْطِئٍ إِنْ كَانَ غَيًّا
وَلَمْ يَشُكَّ أَبُو الْأَسْوَدِ أَنَّ حُبَّهُمْ رُشْدٌ ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْإِبْهَامَ. وَقَدْ قِيلَ لِأَبِي الْأَسْوَدِ حِينَ قَالَ ذَلِكَ: شَكَكْتَ! قَالَ: كَلَّا، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ" «٤» [سبأ: ٢٤] وَقَالَ: أَوَ كَانَ شَاكًّا مَنْ أَخْبَرَ بِهَذَا! وقيل: معناها التخيير، أي شبهوها بالحجارة
(١). القساء (بالفتح والمد): مصدر مثل القسوة والقساوة.(٢). راجع ١٥ ص ١٣٠.(٣). راجع البيت في خزانة الأدب في الشاهد ٨٩٥. [ ..... ](٤). راجع ج ١٤ ص ٢٩٨
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute