" أَيْ حَيَّةٌ لَا لَبْسَ فِيهَا. (وَنَزَعَ يَدَهُ) أَيْ أَخْرَجَهَا وَأَظْهَرَهَا. قِيلَ: مِنْ جَيْبِهِ أَوْ مِنْ جَنَاحِهِ كَمَا فِي التَّنْزِيلِ (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ «١») أَيْ مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ. وَكَانَ مُوسَى أَسْمَرَ شَدِيدَ السُّمْرَةِ، ثُمَّ أَعَادَ يَدَهُ إِلَى جَيْبِهِ فَعَادَتْ إِلَى لَوْنِهَا الْأَوَّلِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كان ليده نور ساطع يضئ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَقِيلَ: كَانَتْ تَخْرُجُ يَدُهُ بَيْضَاءَ كَالثَّلْجِ تَلُوحُ، فَإِذَا رَدَّهَا عَادَتْ إِلَى مِثْلِ سَائِرِ بَدَنِهِ. وَمَعْنَى (عَلِيمٌ) أَيْ بِالسِّحْرِ. (مِنْ أَرْضِكُمْ) أَيْ مِنْ مُلْكِكُمْ مَعَاشِرَ القبط، بتقديمه بني إسرائيل عليكم. (فَماذا تَأْمُرُونَ) أَيْ قَالَ فِرْعَوْنُ: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْمَلَأِ، أَيْ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ وَحْدَهُ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ. كَمَا يُخَاطَبُ الْجَبَّارُونَ وَالرُّؤَسَاءُ: مَا تَرَوْنَ فِي كَذَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَالُوا لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ. وَ" مَا" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، عَلَى أَنَّ" ذَا" بِمَعْنَى الَّذِي. وَفِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، عَلَى أَنَّ" مَا" وَ" ذَا" شي وَاحِدٌ. (قالُوا أَرْجِهْ) قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعَاصِمٌ والكسائي بغير حمزة، إِلَّا أَنَّ وَرْشًا وَالْكِسَائِيَّ أَشْبَعَا كَسْرَةَ الْهَاءِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَالْهَاءُ مَضْمُومَةٌ. وَهُمَا لُغَتَانِ، يُقَالُ: أَرْجَأْتُهُ وَأَرْجَيْتُهُ، أَيْ أَخَّرْتُهُ. وَكَذَلِكَ قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَهِشَامٌ، إِلَّا أَنَّهُمْ أَشْبَعُوا ضَمَّةَ الْهَاءِ. وَقَرَأَ سَائِرُ أَهْلِ الْكُوفَةِ" أَرْجِهْ" بِإِسْكَانِ الْهَاءِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ لُغَةٌ لِلْعَرَبِ، يَقِفُونَ عَلَى الْهَاءِ الْمُكَنَّى عَنْهَا فِي الْوَصْلِ إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلَهَا، وَكَذَا هَذِهْ طَلْحَةُ قَدْ أَقْبَلَتْ. وَأَنْكَرَ الْبَصْرِيُّونَ هَذَا. قَالَ قَتَادَةُ: مَعْنَى" أَرْجِهْ" احْبِسْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخِّرْهُ. وَقِيلَ:" أَرْجِهْ" مَأْخُوذٌ مِنْ رَجَا يَرْجُو، أَيْ أَطْمِعْهُ وَدَعْهُ يَرْجُو، حَكَاهُ النَّحَّاسُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ. وَكَسْرُ الْهَاءِ عَلَى الْإِتْبَاعِ. وَيَجُوزُ ضَمُّهَا عَلَى الْأَصْلِ. وَإِسْكَانُهَا لَحْنٌ «٢» لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي شُذُوذٍ مِنَ الشِّعْرِ. (وَأَخاهُ) عَطْفٌ عَلَى الْهَاءِ. (حاشِرِينَ) نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ. (يَأْتُوكَ) جَزْمٌ، لِأَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ وَلِذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّونُ. قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَّا عَاصِمًا" بِكُلِّ سَحَّارٍ" وَقَرَأَ سَائِرُ النَّاسِ" ساحِرٍ" وهما متقاربان، إلا أفعالا أشد مبالغة.
(١). راجع ج ١٣ ص ١٥٦.(٢). كذا في الأصول وإعراب القرآن للنحاس. ويلاحظ أنها قراءة أهل الكوفة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute