(وَقَالَ»
آخَرُ:
تُطِيفُ بِهِ شَدَّ النَّهَارِ ظَعِينَةٌ ... طَوِيلَةٌ أَنْقَاءُ الْيَدَيْنِ سَحُوقُ «٢»
وَكَانَ سِيبَوَيْهِ يَقُولُ: وَاحِدُهُ شِدَّةٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ يُقَالُ: بَلَغَ الْغُلَامُ شِدَّتَهُ، وَلَكِنْ لَا تُجْمَعُ فِعْلَةٌ عَلَى أَفْعُلٍ، وَأَمَّا أَنْعُمٌ فَإِنَّمَا هُوَ جَمْعُ نُعْمٍ، مِنْ قَوْلِهِمْ: يَوْمَ بُؤْسٍ وَيَوْمَ نُعْمٍ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَاحِدُهُ شَدٌّ، مِثْلَ كَلْبٍ وَأَكْلُبٍ، وَشِدٌّ مِثْلَ ذِئْبٍ وَأَذْؤُبٍ فَإِنَّمَا هُوَ قِيَاسٌ. كَمَا يَقُولُونَ فِي وَاحِدِ الْأَبَابِيلِ: إِبَّوْلُ، قِيَاسًا عَلَى عِجَّوْلٍ، وَلَيْسَ هُوَ شَيْئًا سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أَصَابَتْنِي شُدَّى عَلَى فُعْلَى، أَيْ شِدَّةٌ. وَأَشَدَّ الرَّجُلُ إِذَا كَانَتْ مَعَهُ دَابَّةٌ شَدِيدَةٌ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ
). أَيْ بِالِاعْتِدَالِ فِي الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. وَالْقِسْطُ: الْعَدْلُ. (لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)
أَيْ طَاقَتُهَا فِي إِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْأَوَامِرَ إِنَّمَا هِيَ فِيمَا يَقَعُ تَحْتَ قُدْرَةِ الْبَشَرِ من التحفظ والتحرر. وَمَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ مِنْ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَةِ الْبَشَرِ فَمَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَقِيلَ: الْكَيْلُ بِمَعْنَى الْمِكْيَالِ. يُقَالُ: هَذَا كَذَا وَكَذَا كَيْلًا، وَلِهَذَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِالْمِيزَانِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَمَّا عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ عِبَادِهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ تَضِيقُ نَفْسُهُ عَنْ أَنْ تَطِيبَ لِلْغَيْرِ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ أَمَرَ الْمُعْطِيَ بِإِيفَاءِ رَبِّ الْحَقِّ حَقَّهُ الَّذِي هُوَ لَهُ، وَلَمْ يُكَلِّفْهُ الزِّيَادَةَ، لِمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ مِنْ ضِيقِ نَفْسِهِ بِهَا. وَأَمَرَ صَاحِبَ الْحَقِّ بِأَخْذِ حَقِّهِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُ الرِّضَا بِأَقَلَّ مِنْهُ، لِمَا فِي النُّقْصَانِ مِنْ ضِيقِ نَفْسِهِ. وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَلَا فَشَا الزنى في قوم الأكثر فِيهِمُ الْمَوْتُ، وَلَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا قُطِعَ عَنْهُمُ الرِّزْقُ، وَلَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ الْحَقِّ إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الدَّمُ، وَلَا خَتَرَ «٣» قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ «٤». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْأَعَاجِمِ قَدْ وُلِّيتُمْ أَمْرَيْنِ بِهِمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الكيل والميزان «٥».
(١). من ك.(٢). السحوق: المرأة الطويلة.(٣). الختر: الغدر. وفى ك: غدر.(٤). رواه الطبراني حديثا عن ابن عباس.(٥). من ك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute