فَقَالَ: لَا نَدَعُ كِتَابَ اللَّهِ رَبِّنَا لِحَدِيثِ «١» أعرابي يبول على ساقيه. وسيل الشَّعْبِيُّ عَنْ لَحْمِ الْفِيلِ وَالْأَسَدِ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَقَالَ الْقَاسِمُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ لَمَّا سَمِعَتِ النَّاسَ يَقُولُونَ حُرِّمَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ: ذَلِكَ حَلَالٌ، وَتَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ" قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً" ثُمَّ قَالَتْ: إِنْ كَانَتِ الْبُرْمَةُ لَيَكُونُ مَاؤُهَا أَصْفَرَ مِنَ الدَّمِ ثُمَّ يَرَاهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُحَرِّمُهَا. وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا بَدَأْنَا بِذِكْرِهِ، وَأَنَّ مَا وَرَدَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ بَعْدَ الْآيَةِ مَضْمُومٌ إِلَيْهَا مَعْطُوفٌ عَلَيْهَا. وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى هَذَا فِي قَبَسِهِ خِلَافَ مَا ذَكَرَ فِي أَحْكَامِهِ قَالَ: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ، فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّ كُلَّ مَا عَدَاهَا حَلَالٌ، لَكِنَّهُ يَكْرَهُ أَكْلَ السِّبَاعِ. وَعِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَعَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ تَقَعَ الزِّيَادَةُ بَعْدَ قَوْلِهِ:" قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً" بِمَا يَرِدُ مِنَ الدَّلِيلِ فِيهَا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ) فَذَكَرَ الْكُفْرَ وَالزِّنَى وَالْقَتْلَ. ثُمَّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّ أَسْبَابَ الْقَتْلِ عَشَرَةٌ بِمَا وَرَدَ مِنَ الْأَدِلَّةِ، إِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يُخْبِرُ بِمَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ عَنِ الْبَارِي تَعَالَى، وَهُوَ يَمْحُو مَا يَشَاءُ ويثبت وينسخ ويقدم. وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ حَرَامٌ) وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ:" نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ" وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَتَحْرِيمُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ هُوَ صَرِيحُ الْمَذْهَبِ وَبِهِ تَرْجَمَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ حِينَ قَالَ: تَحْرِيمُ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَعَقَّبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا. فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعَمَلَ اطَّرَدَ مَعَ الْأَثَرِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: فَقَوْلُ مَالِكٍ" هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ" لَا يَمْنَعُنَا مِنْ «٢» أَنْ نَقُولَ: ثَبَتَ تَحْرِيمُ بَعْضِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ، وَنَهَى عَنْ لحوم الحمر الأهلية
(١). في ج وى وك وب: لقول.(٢). في ك: بل نقول ثبت إلخ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute