قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) مَفْعُولَانِ، لَمَّا دَعَوْهُ إِلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ دِينِ آبَائِهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى" قُلْ" يَا مُحَمَّدُ:" أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا" أَيْ رَبًّا وَمَعْبُودًا وَنَاصِرًا دُونَ اللَّهِ. (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بِالْخَفْضِ عَلَى النَّعْتِ لِاسْمِ اللَّهِ، وَأَجَازَ الْأَخْفَشُ الرَّفْعَ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَدْحِ. أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: وَيَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى فِعْلٍ مُضْمَرٍ كَأَنَّهُ قَالَ: أَتْرُكُ فَاطِرَ السموات وَالْأَرْضِ؟ لِأَنَّ قَوْلَهُ:" أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا" يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْوِلَايَةِ لَهُ، وَحُسْنِ إِضْمَارِهِ لِقُوَّةِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ. (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) كَذَا قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ، أَيْ يَرْزُقُ وَلَا يُرْزَقُ، دليله قَوْلُهُ تَعَالَى:" مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ" «١»] الذاريات: ٥٧] وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْأَعْمَشُ: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ حَسَنَةٌ، أَيْ أَنَّهُ يَرْزُقُ عِبَادَهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمَخْلُوقُونَ مِنَ الْغِذَاءِ. وقرى بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْفِعْلَيْنِ، أَيْ إِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُ عِبَادَهُ وَيَرْزُقُهُمْ وَالْوَلِيُّ «٢» لَا يطعم نفسه ولا من يتخذه. وقرى بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ فِي الْأَوَّلِ أَيِ الْوَلِيَّ (وَلَا يُطْعِمُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ. وَخَصَّ الْإِطْعَامَ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ ضُرُوبِ الْإِنْعَامِ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ أَمَسُّ لِجَمِيعِ الْأَنَامِ. (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) أَيِ اسْتَسْلَمَ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: أَوَّلُ مَنْ أَخْلَصَ أَيْ مِنْ قَوْمِي وَأُمَّتِي، عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ. (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ وَقِيلَ لِي:" وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ". (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) أَيْ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ أَنْ يُعَذِّبَنِي، وَالْخَوْفُ تَوَقُّعُ الْمَكْرُوهِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" أَخافُ" هُنَا بِمَعْنَى أَعْلَمُ. (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ) أَيِ الْعَذَابُ" يَوْمَئِذٍ" يَوْمَ الْقِيَامَةِ" فَقَدْ رَحِمَهُ" أَيْ فَازَ وَنَجَا وَرَحِمَ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ" مَنْ يَصْرِفُ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ، لِقَوْلِهِ:" قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ" وَلِقَوْلِهِ:" فَقَدْ رَحِمَهُ" وَلَمْ يَقُلْ رُحِمَ عَلَى الْمَجْهُولِ، وَلِقِرَاءَةِ أُبَيٍّ" مَنْ يَصْرِفُهُ اللَّهُ عَنْهُ" وَاخْتَارَ سِيبَوَيْهِ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى- قِرَاءَةَ أَهْلِ المدينة وأبي عمروقال سِيبَوَيْهِ: وَكُلَّمَا قَلَّ الْإِضْمَارُ فِي الْكَلَامِ كَانَ أولى، فأما قراءة] من قرأ [«٣»
(١). راجع ج ١٧ ص ٥٥.(٢). الولي: الوثن.(٣). من ك. [ ..... ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute