فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ- قَالَ: فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا فَأَقْبَلَتِ النَّارُ لِتَأْكُلَهُ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ فَقَالَ: فِيكُمْ غُلُولٌ فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ فَبَايَعُوهُ- قَالَ- فَلَصِقَتْ] يَدُهُ [بِيَدِ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَقَالَ فِيكُمُ الْغُلُولُ) وَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَالْحِكْمَةُ فِي حَبْسِ الشَّمْسِ عَلَى يُوشَعَ عِنْدَ قِتَالِهِ أَهْلَ أَرِيحَاءَ وَإِشْرَافِهِ عَلَى فَتْحِهَا عَشِيَّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَإِشْفَاقِهِ مِنْ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ قَبْلَ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تُحْبَسْ عَلَيْهِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْقِتَالُ لِأَجْلِ السَّبْتِ، وَيَعْلَمُ بِهِ عَدُوُّهُمْ فَيُعْمِلُ فِيهِمُ السَّيْفَ وَيَجْتَاحُهُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ آيَةً لَهُ خُصَّ بِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ نُبُوَّتُهُ ثَابِتَةً بِخَبَرِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، عَلَى مَا يُقَالُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا. وَهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ" إِنَّهُ تَحْلِيلُ الْغَنَائِمِ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا. وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ [الصَّلَاةُ] «١» وَالسَّلَامُ مَاتَ بِالتِّيهِ عمرو بن ميمون الأودي، وزاد: وهرون، وَكَانَا خَرَجَا فِي التِّيهِ إِلَى بَعْضِ الْكُهُوفِ فمات هرون فَدَفَنَهُ مُوسَى وَانْصَرَفَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: ما فعل هرون؟ فَقَالَ: مَاتَ، قَالُوا: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَتَلْتَهُ لِحُبِّنَا لَهُ، وَكَانَ مُحَبًّا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنِ انْطَلِقْ بِهِمْ إِلَى قَبْرِهِ فَإِنِّي بَاعِثُهُ حَتَّى يُخْبِرَهُمْ أَنَّهُ مَاتَ مَوْتًا وَلَمْ تَقْتُلْهُ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى قَبْرِهِ فنادى يا هرون فَخَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ يَنْفُضُ رَأْسَهُ فَقَالَ: أَنَا قَاتِلُكَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنِّي مُتُّ، قَالَ: فَعُدْ إِلَى مَضْجَعِكَ، وَانْصَرَفَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ مُوسَى لَمْ يَمُتْ بِالتِّيهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّ مُوسَى فَتَحَ أَرِيحَاءَ، وَكَانَ يُوشَعُ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ فَقَاتَلَ الْجَبَابِرَةَ الَّذِينَ كَانُوا بِهَا، ثُمَّ دَخَلَهَا مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَقَامَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ لَا يَعْلَمُ بِقَبْرِهِ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ. قُلْتُ: قَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُرْسِلَ مَلَكُ الموت إلى موسى عليه [الصلاة و] «٢» السلام فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ:" أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ" قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ:" ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ" قَالَ: أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَهْ"، قَالَ:" ثُمَّ الْمَوْتُ" قَالَ:" فَالْآنَ"، فَسَأَلَ اللَّهُ أن
(١). من ج.(٢). من ج.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute