(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً (. ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ الْإِيمَانِ الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ رَأْسُ الْعِبَادَاتِ، وَلِذَلِكَ يُقْتَلُ تَارِكُهَا وَلَا يَسْقُطُ فَرْضُهَا، وَانْجَرَّ الْكَلَامُ إِلَى ذِكْرِ شُرُوطِهَا الَّتِي لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهَا. الثَّانِيةُ- وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّكْرِ سُكْرُ الْخَمْرِ، إِلَّا الضَّحَّاكَ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمُرَادُ سُكْرُ النَّوْمِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ). وَقَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: (وَأَنْتُمْ سُكارى) يَعْنِي إِذَا كُنْتَ حَاقِنًا «١»، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ حَاقِنٌ) فِي رِوَايَةٍ (وَهُوَ ضَامٌّ بَيْنَ فَخِذَيْهِ). قُلْتُ: وَقَوْلُ الضَّحَّاكِ وَعَبِيدَةُ صَحِيحُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنَ الْمُصَلِّي الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَلْبِهِ وَتَرْكُ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِهِ، وَالْخُلُوُّ عَنْ كُلِّ مَا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ مِنْ نَوْمٍ وَحُقْنَةٍ وَجُوعٍ، وَكُلُّ مَا يَشْغَلُ الْبَالَ وَيُغَيِّرُ الْحَالَ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ «٢» فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ). فَرَاعَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَالَ كُلِّ مُشَوِّشٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْخَاطِرُ، حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ بِفَرَاغِ قَلْبِهِ وَخَالِصِ لُبِّهِ، فَيَخْشَعُ فِي صَلَاتِهِ. وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ «٣») عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ: (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) الْآيَةَ. فَأُمِرُوا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَلَّا يُصَلُّوا سُكَارَى، ثُمَّ أُمِرُوا بِأَنْ يُصَلُّوا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهَذَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نُسِخَتْ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ. وَكَذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْبَابِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ. وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَنَادَى مُنَادِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَعَلَى قَوْلِ الضَّحَّاكِ وَعَبِيدَةَ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ لَا نَسْخَ فِيهَا. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تَقْرَبُوا) إِذَا قِيلَ: لَا تَقْرَبْ «٤» بِفَتْحِ الرَّاءِ كَانَ مَعْنَاهُ لَا تَلَبَّسْ بِالْفِعْلِ، وَإِذَا كَانَ بِضَمِّ الرَّاءِ كَانَ مَعْنَاهُ لَا تَدْنُ منه. والخطاب لجماعة الامة
(١). الحاقن: المجتمع بوله كثيرا.(٢). في ج وط وى: العشاء. وهو رواية. راجع كشف الخفاء. ج ١ ص ٨٧. ففيه بسط.(٣). راجع ج ١٢ ص ١٠٢. [ ..... ](٤). في ج: تقربوا، تلبسوا، تنوا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute