وَالْمُرَادُ إِنْ خِفْتُمْ شِقَاقًا بَيْنَهُمَا، فَأُضِيفَ الْمَصْدَرُ إِلَى الظَّرْفِ كَقَوْلِكَ: يُعْجِبُنِي سَيْرُ اللَّيْلَةِ الْمُقْمِرَةِ، وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَفِي التَّنْزِيلِ: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ «١»). وَقِيلَ: إِنَّ (بَيْنَ) أُجْرِيَ مَجْرَى الْأَسْمَاءِ وَأُزِيلَ عَنْهُ الظَّرْفِيَّةُ، إِذْ هُوَ بِمَعْنَى حَالِهِمَا وَعِشْرَتِهِمَا، أَيْ وَإِنْ خِفْتُمْ تَبَاعُدَ عِشْرَتِهِمَا وصحبهما (فَابْعَثُوا). و (خِفْتُمْ) عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ «٢». قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْحُكْمُ أَنْ يَعِظَهَا أَوَّلًا، فَإِنْ قَبِلَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا، فَإِنْ هِيَ قَبِلَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا، فَإِنْ هِيَ قَبِلَتْ وَإِلَّا بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، فَيَنْظُرَانِ مِمَّنِ الضَّرَرُ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ الْخُلْعُ. وَقَدْ قِيلَ: لَهُ أَنْ يَضْرِبَ قَبْلَ الْوَعْظِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِتَرْتِيبِ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ. الثَّانِيةُ- وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ خِفْتُمْ) الْحُكَّامُ وَالْأُمَرَاءُ. وَأَنَّ قَوْلَهُ: (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما) يَعْنِي الْحَكَمَيْنِ، فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا. أَيْ إِنْ يُرِدِ الْحَكَمَانِ إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الزَّوْجَانِ، أَيْ إِنْ يُرِدِ الزَّوْجَانِ إِصْلَاحًا وَصِدْقًا فِيمَا أَخْبَرَا بِهِ الْحَكَمَيْنِ (يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما). وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ. يَقُولُ: (إِنْ خِفْتُمْ) أَيْ عَلِمْتُمْ خِلَافًا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) وَالْحَكَمَانِ لَا يَكُونَانِ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، إِذْ هُمَا أَقْعَدُ بِأَحْوَالِ الزَّوْجَيْنِ، وَيَكُونَانِ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ وَحُسْنِ النَّظَرِ وَالْبَصَرِ بِالْفِقْهِ «٣». فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ أَهْلِهِمَا مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ فَيُرْسِلُ «٤» مِنْ غَيْرِهِمَا عَدْلَيْنِ عَالِمَيْنِ، وَذَلِكَ إِذَا أَشْكَلَ أَمْرُهُمَا وَلَمْ يُدْرَ مِمَّنِ الْإِسَاءَةُ مِنْهُمَا. فَأَمَّا إِنْ عرف الظالم فإنه يؤخذ له الحق من صاحبه وَيُجْبَرُ عَلَى إِزَالَةِ الضَّرَرِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْحَكَمَ مِنْ أَهْلِ الزَّوْجِ يَخْلُو بِهِ وَيَقُولُ لَهُ: أَخْبِرْنِي بِمَا فِي نَفْسِكَ أَتَهْوَاهَا أَمْ لَا حَتَّى أَعْلَمَ مُرَادَكَ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا خُذْ لِي مِنْهَا مَا اسْتَطَعْتَ وَفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، فَيُعْرَفُ أَنَّ مِنْ قِبَلِهِ النُّشُوزَ. وَإِنْ قَالَ: إِنِّي أَهْوَاهَا فَأَرْضِهَا مِنْ مَالِي بِمَا شِئْتَ وَلَا تُفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَاشِزٍ. وَيَخْلُو [الْحَكَمُ مِنْ جهتها «٥»] بالمرأة ويقول لها: أتهوى زَوْجَكِ أَمْ لَا، فَإِنْ قَالَتْ: فَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَأَعْطِهِ مِنْ مَالِي مَا أَرَادَ، فَيُعْلَمُ أن النشوز من قبلها. إن قالت:
(١). راجع ج ١٤ ص ٣٠١.(٢). في ص ١١ من هذا الجزء.(٣). في ط: والفقه.(٤). كذا في الأصول فالضمير للحاكم، أو الولي.(٥). زيادة من البحر لازمة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute