[الأنفال: ٣٥] «١» أَيْ تَصْفِيقًا وَتَصْفِيرًا. وَهَذَا لَا يُوجِبُهُ التَّصْرِيفُ، لِأَنَّ" مَكَّةَ" ثُنَائِيٌّ مُضَاعَفٌ وَ" مُكاءً" ثُلَاثِيٌّ مُعْتَلٌّ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُبارَكاً) جَعَلَهُ مُبَارَكًا لِتَضَاعُفِ الْعَمَلِ فِيهِ، فَالْبَرَكَةُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ، وَنُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْمُضْمَرِ فِي" وُضِعَ" أَوْ بالظرف من" بِبَكَّةَ" الْمَعْنَى: الَّذِي اسْتَقَرَّ" بِبَكَّةَ مُبارَكاً" وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ" مُبَارَكٌ"، عَلَى أَنْ يَكُونَ خَبَرًا ثَانِيًا، أَوْ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الَّذِي، أَوْ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ. (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) عَطْفٌ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى وَهُوَ هُدًى لِلْعَالَمِينَ. وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ" مُبَارَكٍ" بِالْخَفْضِ يَكُونُ نَعْتًا لِلْبَيْتِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ أَوْ بِالصِّفَةِ. وَقَرَأَ أَهْلُ مَكَّةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ" آيَةٌ بَيِّنَةٌ" عَلَى التَّوْحِيدِ، يَعْنِي مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ. قَالُوا: أَثَرُ قَدَمَيْهِ فِي الْمَقَامِ آيَةٌ بَيِّنَةٌ. وَفَسَّرَ مُجَاهِدٌ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ بِالْحَرَمِ كُلِّهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ مِنْ آيَاتِهِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَالرُّكْنَ وَالْمَقَامَ. وَالْبَاقُونَ بِالْجَمْعِ. أَرَادُوا مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَجَرَ الْأَسْوَدَ والحطيم وزمزم والمشاعر كلها. قال: أبو جعر النَّحَّاسُ: مَنْ قَرَأَ" آياتٌ بَيِّناتٌ" فَقِرَاءَتُهُ أَبْيَنُ، لِأَنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنَ الْآيَاتِ، وَمِنْهَا أَنَّ الطَّائِرَ لَا يَعْلُو الْبَيْتَ صَحِيحًا، وَمِنْهَا أَنَّ الْجَارِحَ «٢» يَطْلُبُ الصَّيْدَ فَإِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ تَرَكَهُ، وَمِنْهَا أَنَّ الْغَيْثَ إِذَا كَانَ نَاحِيَةَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ كَانَ الْخِصْبُ بِالْيَمَنِ، وَإِذَا كَانَ بِنَاحِيَةِ الشامي كان الخصب بالشام، وإذ عَمَّ الْبَيْتَ كَانَ الْخِصْبُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ، وَمِنْهَا أَنَّ الْجِمَارَ عَلَى مَا يُزَادُ عَلَيْهَا تُرَى «٣» عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ. وَالْمَقَامُ مِنْ قَوْلِهِمْ: قُمْتُ مَقَامًا، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقَامُ فِيهِ. وَالْمَقَامُ مِنْ قَوْلِكَ: أَقَمْتُ مَقَامًا. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي الْبَقَرَةِ «٤»، وَمَضَى الْخِلَافُ أَيْضًا فِي الْمَقَامِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُ. وَارْتَفَعَ الْمَقَامُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ مِنْهَا مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَهُ الْأَخْفَشُ. وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ:" مَقامُ" بَدَلٌ مِنْ" آياتٌ". وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِمَعْنَى هِيَ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ. وَقَوْلُ الْأَخْفَشِ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. كَمَا قَالَ زُهَيْرٌ:
(١). راجع ج ٧ ص ٤٠٠.(٢). في د: أن الحاج يتبع، والصواب ما أثبتناه من ز، وب.(٣). في ز: على ما يراد منها ترمى.(٤). راجع ج ٢ ص ١١٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute