دَخَلَ الْمَدِينَةِ فَتَوَارَى عَنَّا، فَتَلَاوَمْنَا بَيْنَنَا وَقُلْنَا: أَعْطَيْتُمْ جَمَلَكُمْ مَنْ لَا تَعْرِفُونَهُ! فَقَالَتِ الظَّعِينَةُ: لَا تَلَاوَمُوا فَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهَ رَجُلٍ مَا كَانَ لِيَخْفِرَكُمْ، مَا رَأَيْتُ وَجْهَ رَجُلٍ أَشْبَهَ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ وَجْهِهِ. فَلَمَّا كَانَ الْعِشَاءُ «١» أَتَانَا رَجُلٌ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَنَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْكُمْ، وَإِنَّهُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ هَذَا حَتَّى تَشْبَعُوا، وَتَكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا. قَالَ: فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا، وَاكْتَلْنَا حَتَّى اسْتَوْفَيْنَا". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ عَمَّهُ حَدَّثَهُ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ، الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: فَطَفِقَ الْأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَاهِدًا يَشْهَدُ أَنِّي بِعْتُكَ- قَالَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بِعْتَهُ. فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ:" بِمَ تَشْهَدُ"؟ فَقَالَ: بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَجَعَلَ رسول الله صلى الله عليه سلم شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ. الْمُوفِيَةُ خَمْسِينَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ «٢» - لَا يَكْتُبُ الْكَاتِبُ مَا لَمْ يُمْلَ عَلَيْهِ، وَلَا يزيد الشاهد في شهادته ولا ينقض مِنْهَا. قَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَطَاوُسٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ أَنَّ الْمَعْنَى لَا يَمْتَنِعُ الْكَاتِبُ أَنْ يَكْتُبَ وَلَا الشَّاهِدُ أَنْ يَشْهَدَ." وَلا يُضَارَّ" عَلَى هَذَيْنَ الْقَوْلَيْنِ أَصْلُهُ يُضَارِرَ بِكَسْرِ الرَّاءِ، ثُمَّ وَقَعَ الْإِدْغَامُ، وَفُتِحَتِ الرَّاءُ فِي الْجَزْمِ لِخِفَّةِ الْفَتْحَةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَرَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَمِيلُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ، قَالَ: لِأَنَّ بَعْدَهُ" وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ" فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ، مَنْ شَهِدَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَوْ حَرَّفَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: فَاسِقٌ، فَهُوَ أَوْلَى بِهَذَا مِمَّنْ سَأَلَ شَاهِدًا أَنْ يَشْهَدَ وَهُوَ مَشْغُولٌ. وَقَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقٍ يُضَارِرَ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى. وقال مجاهد والضحكاك وَطَاوُسٌ وَالسُّدِّيُّ وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَعْنَى الْآيَةِ" وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ" بِأَنْ يُدْعَى الشَّاهِدُ إِلَى الشَّهَادَةِ وَالْكَاتِبُ إِلَى الْكَتْبِ وَهُمَا مَشْغُولَانِ، فَإِذَا اعْتَذَرَا بِعُذْرِهِمَا أَخْرَجَهُمَا «٣» وَآذَاهُمَا، وقال: خلفتما أمر الله، ونحو هذا من القول
(١). كذا في الدارقطني، وفى الأصول جميعا: العشى.(٢). الثاني قول ابن عباس والثالث قول مجاهد والضحاك.(٣). في ج وب وط: خرج.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute