الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعَشْراً) رَوَى وَكِيعٌ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُ سُئِلَ: لِمَ ضُمَّتِ الْعَشْرُ إِلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ؟ قَالَ: لِأَنَّ الرُّوحَ تُنْفَخُ فِيهَا، وَسَيَأْتِي فِي الْحَجِّ بَيَانُ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى «١». وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَيُقَالُ إِنَّ وَلَدَ كُلِّ حَامِلٍ يَرْتَكِضُ فِي نِصْفِ حَمْلِهَا فَهِيَ مُرْكِضٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَرْكَضَتْ فهي مركضة وأنشد:
وَمُرْكِضَةٌ صَرِيحِيٌّ أَبُوهَا ... تُهَانُ لَهَا الْغُلَامَةُ وَالْغُلَامُ «٢»
وَقَالَ الْخَطَّابِيَّ: قَوْلُهُ (وَعَشْراً) يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ- الْأَيَّامَ بِلَيَالِيِهَا. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: إِنَّمَا أَنَّثَ الْعَشْرَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُدَّةُ. الْمَعْنَى وَعَشْرَ مُدَدٍ، كُلُّ مُدَّةٍ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَاللَّيْلَةُ مَعَ يَوْمِهَا مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدَّهْرِ. وَقِيلَ: لَمْ يَقُلْ عَشْرَةً تَغْلِيبًا لِحُكْمِ اللَّيَالِي إِذِ اللَّيْلَةُ أَسْبَقُ مِنَ الْيَوْمِ وَالْأَيَّامُ فِي ضِمْنِهَا." وَعَشْراً" أَخَفُّ فِي اللَّفْظِ، فَتُغَلَّبُ اللَّيَالِي عَلَى الْأَيَّامِ إِذَا اجْتَمَعَتْ فِي التَّارِيخِ، لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الشُّهُورِ بِاللَّيْلِ عِنْدَ الِاسْتِهْلَالِ، فَلَمَّا كَانَ أَوَّلُ الشَّهْرِ اللَّيْلَةَ غَلَّبَ اللَّيْلَةَ، تَقُولُ: صُمْنَا خَمْسًا مِنَ الشَّهْرِ، فَتُغَلَّبُ اللَّيَالِي وَإِنْ كَانَ الصَّوْمُ بِالنَّهَارِ. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فَلَوْ عَقَدَ عَاقِدٌ عَلَيْهَا النِّكَاحَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وقد مضت أربعة أشهر وعشر ليالي كَانَ بَاطِلًا حَتَّى يَمْضِيَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا انْقَضَى لَهَا أربعة أشهر وعشر ليالي حَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رَأَى الْعِدَّةَ مُبْهَمَةً فَغَلَّبَ التَّأْنِيثَ وَتَأَوَّلَهَا عَلَى اللَّيَالِي. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ" أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ". قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- أَضَافَ تَعَالَى الْأَجَلَ إِلَيْهِنَّ إِذْ هُوَ مَحْدُودٌ مَضْرُوبٌ فِي أمرهن، وهو عبارة عن انقضاء العدة.
(١). راجع ج ١٢ ص ٦ فما بعد.(٢). البيت لأوس بن غلفاء الهجيمي يصف فرسا. والصريحى: نسبة إلى الصريح وهو فحل من خيل العرب معروف. (عن اللسان).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute