وناظر أبو جعفر المنصور مالكا في مسجد النبي ﷺ، فرفع أبو جعفر صوته، فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد! فإن الله تعالى أدب قوما فقال: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ الآية (٢٢٣) ومدح قوما فقال، ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ﴾ (٢٢٤) الآية، وذم قوما فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ﴾ (٢٢٥) الآية، وإن حرمته ميتا كحرمته حيا، فاستكان لها أبو جعفر.
وقال له أبو جعفر: أدعو مستقبل القبلة أم مستقبل رسول الله ﷺ؟
فقال مالك: ولم تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك، ووسيلة أبيك آدم إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله، واستشفع به إلى ربك يشفع لك، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ﴾ الآية (٢٢٦).
- * -
قال أسامة بن زيد: لما قدم أبو جعفر، دخلنا مسلمين عليه، وأخذنا مجالسنا، فبينا نحن كذلك إذ دخل مالك، فقال له أبو جعفر:
إلى ها هنا يا أبا عبد الله، لم تركتم قول على وابن عباس، وأخذتم بقول ابن عمر؟
قال له: لأنه آخر من مات من أصحاب رسول الله ﷺ.
فقال المنصور: يا أبا عبد الله، والله ما بقى على وجه الأرض أعلم مني ومنك، خذ بقول ابن عمر، ودعنى ممن سواه.
- * -
(٢٢٣) الآية ٢ من سورة الحجرات. (٢٢٤) الآية ٣ من سورة الحجرات. (٢٢٥) الآية ٤ من سورة الحجرات. (٢٢٦) الآية ٦٣ من سورة النساء.