وبِسّبب هذا تحَزَّبت طائفةُ أهل الحديث على أهل الرّأي، وأساء وافيهم القَول والرأي؛ قال أَحمد بن حنَبل: ما زلنا نَلعَن [١] أهَل الرّأى ويَلعَنونا [٢] حتّى جاء الشّافِعيّ فمُزج بَيْننا [٣]، يريد أنه تمسَّك بصحيح الآثار واستعملها، ثم أراهم أَن من الرأي ما يُحتاج إليه، وتُبْنَى [٤] أحكام الشّرع علَيه، وأنّه قياسٌ على أصولِيها، ومنتَزَعٌ منها، وأَراهم كَيفية انتزاعها والتعلقِ [٥] بعَللها: وتنبيهاتها، فعَلِم أَصحابُ الحَديث أنّ صحيَح الرأى فرعٌ للأصل [٦]، وعَلِم أصحاب الرأي أنه لا فرَع إلا بَعْدَ أصلٍ، وأنّه لا غِنَيّ عن تقديم السُّنَنِ وصحيح الآثار [٧] أولا.
ونحو هذا في هذا الفصل: قَوْلُ [٨] ابن وهب: الحديث مَضَلَّة إلا للعُلَمَاء، ولَوْلا مالكٌ واللَّيْث لضَللنا.
وأما أحمد ودَاود، فإنَّهما سَلَكا اتِّباع الآثار، ونكَبا عن طريق الاعتبار، لكن [٩] داود غلا في ذلك، فترك [١٠] القياس جملة، وأحَدث هو وأَصحابُه من القول بالظّاهر مَا خالفَ فيه أَئمةَ الأُمَّة [١١]، فخانَه التمسُّك برُبُع أَدّلة الشّريعَة [١٢]، وأعرضَ عما حضَّت [١٣] عليه من الاجتهاد والاعتبار، وسَمَّى ما لم يَجِد فيه نَصًّا ولا [١٤] ظاهرا، عفوًا، وأطلق على بعضه الإباحة (*)، واضطربت أقوال أصحابه
[١] نلعن: ا ب ت ك ط، للعز: خ [٢] ويلعنوننا: ا ب ط ك، ويلعنونا: ت، ويبلغوننا: خ. [٣] بيننا: ا ب ت ط ك، بينهما: خ. [٤] وتبنى، ا ب ت ك، وتبنا: خ، وتنبني: ط. [٥] انتزاعها والتعلق: ا ب ت ط ك، انتزاعها والتعلل: خ. [٦] للأصل: ا ب ط ك ت، الأصل: خ. [٧] الآثار: ا ت م ك خ، الأثر: ب. [٨] قول: ا ب ت ط ك، قال: خ. [٩] لكن ب ت ط ك ح، ولكن ا [١٠] فترك: ا ت ط ك، وترك: ب خ. [١١] الأمة: ا ب ت ك ط، الأئمة: خ [١٢] بربع أدلة الشريعة: ط ك ب، برفع أدلة الشريعة ا ت، بربع الأدلة الشريعة: خ. [١٣] حضت: ا ب ط ك خ، مضت: ت. [١٤] ولا: ا ط - ت ب ك خ.