وأما مالك: فذو الأمانةِ الشَّديدة في النقليات، والإحاطة بعلل الروايات والرواة، حتى قال:«أدركتُ بعدد أساطين هذا المسجد من يقول: حدثني أبي عن رسول الله ﷺ، لم أرو عن أحدٍ منهم شيئًا». قيل له:«أكنتَ لم تَثِقْ بهم؟» فقال: «لم أتَهُمْ صِدقهم، ولو نُشِرُوا بالمناشير ما كَذَبُوا على رسول الله ﷺ، ولكن لم يكونوا من أهل هذا الشَّأْنِ»(١)؛
غير أنه ﵀ استرسل في المصالح، فرتّب عليها زواجر حادثةً، كالتأديب بالمال المصلح وإبانة الأعضاء؛
- لظاهر (٢) مشاطرة (٣) عُمَرَ لعَمْرِو وخالدٍ،
- ولظاهر قوله﴾ (٤) للمغيرة: - وقد أبان قَذَاةً عن لِحْيَتِهِ - «أَبِنْ ما أبنْتَ، وإلّا أبنتُ يدك (٥)» (٦).
ولهذه الوقائع تأويلاتُ تَرُدُّهَا إلى الأصول.
وأما الشافعي: فانفرد بأصول الفقه، وهو أوَّلُ مصنّف فيها، وشاركهم في الفروع؛ غير أنه اخترم قبل إكثاره منها، ولا مَعَابَ في الموتِ، فقيَّض الله
(١) ينظر: مسند الموطأ (٣٧)، الفقيه والمتفقه (٢/ ١٩٤)، الانتقاء (ص ١٦). (٢) في المخطوط: (ولظاهر). ولعل الصواب ما أثبت. (٣) في المخطوط (مشاطر). ولعل الصواب ما أثبت. (٤) هنا ينتهي النقص في الأصل. (٥) «أ»: (يديك). (٦) ينظر: نفائس الأصول (٩/ ٤٠٩١)، حاشية العطار على شرح المحلي (٢/ ٣٢٨).