الأول: أن العلماء مُجْمِعون على أن مَنْ بات بالمزدلفة إلى قُبيل الفجر، ولم يَشهد صلاة الفجر فيها ولم يَذكر الله- صح حجه، فالمأمور به في الآية إنما هو الذِّكر، وليس بواجب بالإجماع، فشهود المَوطِن أَوْلَى بأن لا يكون واجبًا (١).
الثاني: أنه إذا كان النبي ﷺ بات بمزدلفة وصلى الفجر، فإنه قد رَخَّص للنساء والضَّعَفة في مغادرة مزدلفة بعد منتصف الليل. ولو كان الوقوف بمزدلفة ركنًا لَمَا أَذِن للضَّعَفة؛ لأن الركن القويُّ والضعيف فيه سواء، كالوقوف بعرفة وكطواف الإفاضة، فعن ابن عباس ﵄ قال:«أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ ﷺ لَيْلَةَ المُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ»(٢).
الثالث: أن كل ما جاز تركه لعذر لم يكن ركنًا، قياسًا على الوقوف بعرفة، وكذا طواف الإفاضة لا يَسقط بحال لأنه ركن، بخلاف طواف الوداع فإنه يَسقط بعذر الحيض؛ لأنه ليس بركن، وكذا الوقوف بالمزدلفة، قد يَسقط بالعذر، فلم يكن ركنًا (٣).
الوجه الثاني: أن الله سَوَّى بين الأمر بالوقوف بعرفة والأمر بذكر الله بمزدلفة في القرآن، فهذا يدل على ركنية الوقوف بمزدلفة، فقال: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: ١٩٨]. والرسول ﷺ سَوَّى بين عرفة والمزدلفة، فقال:«قَدْ وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» ووَقَف بالمُزدلِفة فقال: «قَدْ وَوَقَفْتُ هَاهُنَا، وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ».