المبحث الخامس: كيفية تحلل المحصر: وفيه ثلاثة مطالب:
[المطلب الأول: نية التحلل]
فَالتَّحَلُّلُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِنِيَّةِ الْإِحْلَالِ وَالْخُرُوجِ مِنَ الْإِحْرَامِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».
المطلب الثاني: ذَبْح هَدْي الإحصار: وفيه خمسة فروع:
الأول: اختَلف العلماء على قولين فيمن حَصَرَه عدو عن النسك: هل يَلزمه دم؟
القول الأول: يجب الدم على المُحْصَر مطلقًا، سواء أكان الإحصار بعدو أو بمرض. وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة (١).
واستدلوا بالقرآن والسُّنة:
أما القرآن، فعموم قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦].
وَجْه الدلالة: فَأَمَرَ بِإِتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَجَعَلَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فِي حَقِّ الْمُحْصَرِ قَائِمًا مَقَامَ الْإِتْمَامِ (٢).
وأما السُّنة: فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالحُدَيْبِيَةِ … » (٣).
وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ أَصْحَابَهُ يَوْمَ حُصِرُوا أَنْ يَنْحَرُوا وَيَحْلِقُوا وَيَحِلُّوا (٤).
قال البغوي: اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا أُحْصِرَ عَنِ الْحَجِّ بِعَدُوٍّ، أَنَّهُ يَتَحَلَّلُ، وَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَهُوَ دَمُ شَاةٍ، يَذْبَحُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ، ثُمَّ يَحْلِقَ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَا يَجْعَلُ التَّحَلُّلَ لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ حَتَّى يَذْبَحَهُ (٥).
(١) «البناية» (٤/ ٤٣٧)، و «المهذب» (١/ ٤٢٦)، و «كشاف القناع» (٢/ ٦١٠).
(٢) «شرح العمدة» (٢/ ٣٦٨).
(٣) رواه البخاري (٢٧٠١). وروى البخاري أيضًا (١٨٠٩): عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: «قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلًا».
(٤) روى البخاري (٢٧٣١) في حديث طويل، وفيه: فقال ﷺ لأَصحابه: «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا».
(٥) «شرح السُّنة» (٧/ ٢٨٥).