ونوقش هذا الاستدلال من وجهين:
الأول: أن النبي ﷺ بَيَّن مطلق الأمر في قوله تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ بفعله، فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا. وذلك مِثل قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] وقد بَيَّن رسول الله ﷺ صفة الصلاة.
الثاني: أَنَّ مَقَادِيرَ الْعِبَادَاتِ لَا تُعْرَفُ بِالرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ، وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِالتَّوْقِيفِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَافَ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، فَلَا يُعْتَدُّ بِمَا دُونَهَا.
والراجح: ما ذهب إليه جمهور العلماء، من أنه لا يصح الطواف إلا بإكمال سبعة أشواط؛ لِما روى البخاري عن ابن عمر قال: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا. ولأن مقادير العبادات لا تُعْرَف بالرأي والاجتهاد، فصلاة الظُّهر أربع، فكذا الطواف سبعًا.
المبحث الثاني: الشك في الطواف:
مَنْ شك في عدد الأشواط التي طافها لا يخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون كثير الوسواس والشك في عبادته، فلا يَلتفت إليه.
الثانية: أن لا يَطرأ عليه الشك بعد الفراغ من الطواف، فلا يَلتفت إليه ما لم يتيقن الآخَر، فيَعمل بمقتضى يقينه (١).
الثالثة: أن يَشك أثناء الطواف، مثل أن يَشك: هل هذا الشوط هو السادس أو السابع؟
قال ابن المنذر: أَجْمَع العلماء على أن مَنْ شك في عدد طوافه أنه يَبني على اليقين، أي: أنه إذا شك هل هذا هو الشوط السادس أو السابع، فإنه يَعمل باليقين فيأخذ بالأقل.
قلت (محمد): ولكن هذا الإجماع منخرم؛ فإنما هذا قول جمهور أهل العلم، واستدلوا بعموم قول النبي ﷺ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» (٢).
القول الآخَر: أنه يَحسب على غالب الظن، فإِنْ غَلَب على ظنه أنه طاف سبعًا، وشَكَّ
(١) «المجموع» (٨/ ٢١).
(٢) أخرجه مسلم (٥٧١). وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِذَا طُفْتَ بِالْبَيْتِ، فَلَمْ تَدْرِ أَأَتْمَمْتَ أَمْ لَمْ تُتِمْ، فَأَتِمَّ مَا شَكَكْتَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ عَلَى الزِّيَادَةِ. أخرجه ابن أبي شيبة (١٣٥٢٤) وفي إسناده الحارث الأعور، ضعيف.