وأما القياس، فقاسوا ترك الواجب على فعل المحظور، مِنْ أن كُلًّا منهما يَنقص النسك، وأنه يَفتقر إلى جُبْرَانٍ يَكُون خَلَفًا عنه (١).
القول الثاني: يجب الدم على مَنْ تَرَك واجبًا لغير عذر، فإن كان لعذر فلا شيء عليه. وهو مذهب الحنفية (٢).
واستدلوا بالكتاب والقياس:
أما الكتاب، فعموم قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٦].
واستدلوا بالقياس على ترك السقاة والرعاة المبيت بمِنًى وتَرْك طواف الوداع للحائض، فقد تركوها لعذر، ولم يوجب الشارع عليهم دمًا.
وكذا القياس على قصة صاحب الجُبة، وهي: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الخَلُوقِ - أَوْ قَالَ: صُفْرَةٌ - فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اخْلَعْ عَنْكَ الجُبَّةَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الخَلُوقِ عَنْكَ، وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ». ولم يَرِد أن النبي ﷺ أَمَره بالفدية، فدل ذلك على أنه عَذَره بجهله، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
واعتُرض عليه بأنه فِعل محظور، وليس في ترك الواجب.
القول الثالث: أن مَنْ تَرَك واجبًا من واجبات الحج، فلا شيء عليه. وبه قال ابن حزم.
واستَدل ابن حزم بعدم وجود دليل عن رسول الله ﷺ بوجوب الدم بترك الواجبات، والأصل براءة الذمة (٣).
والراجح: لزوم الدم على مَنْ تَرَك واجبًا، سواء كان بعذر أو بغير عذر. وهو ما أفتى به حَبر الأمة ابن عباس.
(١) «شرح العمدة» (٢/ ٢٨٠)، و «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٩٥).(٢) «المبسوط» (٤/ ٦٣). قال الكاساني: وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا فَإِنْ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ. «بدائع الصنائع» (٢/ ١٣٤).(٣) «المُحَلَّى» (٧/ ٢٦٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute