القول الأول: تنتهي التلبية في الحج عند ابتداء رمي جمرة العقبة يوم النحر. وهذا مذهب الحنفية والشافعية، والحنابلة في رواية (١).
واستدلوا بحديث الفضل، أن رسول الله ﷺ لم يَزَل يُلبِّي حتى بَلَغَ الجمرَة (٢). فالحديث نص في انتهاء التلبية عند ابتداء رمي جمرة العقبة، وقد جاء من رواية الفضل بن العباس ﵄، وقد كان رديفَه ﷺ يومئذٍ، وهو أعلم بحاله من غيره.
القول الآخَر: لا يَقطع التلبية حتى يَرمي جَمْرة العَقَبة بأَسْرها. وهو قول لأحمد.
واستَدل بظاهر حديث أن رسول الله ﷺ لم يَزَل يُلَبِّي حتى رَمى جَمْرة العَقَبة.
ونوقش هذا الاستدلال بأن قوله:(لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) مُفسَّر برواية أخرى عن الفضل، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى بَلَغَ الجَمْرَةَ (٣).
ويؤيد ذلك ما رواه ابن مسعود قال: رَمَقْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ (٤).
والراجح: أن التلبية تنتهي عند ابتداء رمي جمرة العقبة يوم النحر.
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ:(حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) فمفهومه أن النبي ﷺ لم يكن يلبي أثناء الرمي، بل كان يُكبِّر؛ لأن ظَرْف الرميِ
(١) «البحر الرائق» (٢/ ٣٧١)، و «المجموع» (٨/ ١٥٤)، و «الفروع» (٥/ ٣٩٥)، و «المغني» (٥/ ٢٩٧). (٢) رواه البخاري (١٦٧٠)، ومسلم (١٢٨١). (٣) «صحيح البخاري» (١٦٧٠). (٤) ضعيف: أخرجه ابن خُزيمة (٢٨٨٦) من طريق شَريك، عن عامر، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، به. وفي إسناده: شَريك النَّخَعي، سيئ الحفظ كثير الوهم. وعامر بن شقيق لَيِّن الحديث. وقال الدارقطني: يرويه عامر، وغيره لا يرفعه، والموقوف أصح. «العلل» (١٣/ ٢٧٠).